تغليظ الحلف يكون بالحال وبالزمان وبالمكان، ولعل الخمسين يمينا المشترطة في القسامة روعي فيها التغليظ والترهيب والزجر عن أن يقدم أحد على الدعوى من غير تثبت، ومما يناسب هذا أن يحلف المدعون والنافون قياما، هذا هو المشهور، وقال ابن الماجشون يحلفون قعودا، ومما يعضد حلفهم قياما ما في حديث ابن عمر عند مسلم في قصة المتلاعنين حيث تلا النبي ﷺ على عويمر العجلاني آيات من سورة النور ووعظه وذكره وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وفيه:«ثم دعاها فوعظها كذلك»، وعند أبي داود والنسائي من حديث ابن عباس أن النبي ﷺ أمره أن يضع يده عند الخامسة على فيه، وقال:«إنها موجبة»، وعند البخاري من حديث ابن عباس:«فجاء فقام هلال فشهد، ثم قامت فشهدت»، وقال لهما النبي ﷺ:«الله يعلم إنَّ أحدكما لَكَاِذبٌ فهل فيكما من تائب»؟، كررها ثلاث مرات، والمشهور أنه إن أبى المدعون الحلف قياما فقد نكلوا عن الأيمان فيبطل حقهم، وقد قيل في الحلف على الحقوق المالية كلها كما في القسامة، فهذا من التغليظ بالحال، واختلف في التغليظ بالزمان، وهو كون القسامة بعد صلاة العصر، وقد جاء في ذلك حديث أبي هريرة الصحيح وفيه قوله ﷺ:«ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم، إلى أن قال: «ورجل حلف على يمين بعد صلاة العصر»، وفي كلام الله تعالى إشارة إلى ذلك والسنة بينته، وقال تعالى عن الحلف على الوصية في السفر: ﴿تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ (١٠٦)﴾ [المائدة: ١٠٦]، وقد ذهب فريق من أهل العلم إلى أن الصلاة هنا هي صلاة العصر لأنها معظمة في جميع الأديان، لكن مشهور المذهب عدم تغليظ الحلف بالزمان، والله أعلم.