٢٩ - «ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، وإن قمت فيه بما تيسر؛ فذلك مرجو فضله، وتكفير الذنوب به».
هذا نص حديث في الصحيحين (خ/ ٢٠٠٩) عن أبي هريرة، ومعنى كون القيام إيمانا؛ أن يفعله تصديقا بأنه مما شرعه الله، ومعنى كونه احتسابا؛ أن يفعله راجيا الثواب عليه من الله، لا رياء ولا سمعة، فخرج من فعله لمجرد التقليد والمتابعة كما هو شأن كثير من الناس الذين لا يكادون ينتابون المساجد لأداء الصلاة جماعة، وكثيرا ما يتخلفون عن الجمعة، فإذا جاء رمضان؛ كان اهتمامهم بصلاة التراويح؛ أعظم من اهتمامهم بالفرائض، ولو لقي المرء ربه ولم يأت بشيء من النوافل ومنها النراويح غير مستخف به، ولا راغب عنه؛ لكان مرجوا أن لا يعاقب، وإن كان قد بخس نفسه وناله بعض الخسران، فهذا شأن من لم يعرف دينه إلا بالتقليد والوراثة.
وقد ذكر بعضهم أنه رأى مسجدا بمدينة قسنطينة في صلاة التراويح يؤمه نحو خمسة وثلاثين ألفا، ثم حضر العشاء يومين بعد العيد فلم يتجاوز عدد المصلين به الخمسين، ومع أننا نستبشر خيرا بإقبال الناس على بيوت الله تعالى، لأنه لا يسعنا إلا هذا، فإن ذلك لا يمنعنا أن نتأسف لعدم تفريق الناس بين ما يحاسبون عليه، بل إن تركه كفر عند فريق من أهل العلم، وما هم في سعة من أمرهم إن هم تركوه، وليس المراد من قيام رمضان؛ قيام الليل كله، بل إنه إذا صلى العشاء، وصلى مع الإمام ما صلاه؛ صدق عليه ذلك، وإذا صلى ما قدر له، ثم جلس يقرأ القرآن ويذكر الله تعالى كان هذا من القيام، والذنوب التي تكفر إنما هي صغائر الإثم، أما الكبائر؛ فسبيل تكفيرها التوبة منها، وقد تقدم الكلام على ذلك في الجزء الأول.