للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حق الفسخ والإمضاء قبل الاستيفاء، فإن لم يعلم إلا بعد استيفاء المنفعة لزم المستأجر الأكثر من المسمى وأجرة المثل، وحكم المكره على الإجارة إكراها محرما كحكم من لا يلزم عقده، ويشترط في المستأجر أن لا يكون ممنوعا من دخول المحل الذي استؤجر ليعمل فيه، كالحائض في المسجد والكافر فيه، والمراد بالصيغة ما يدل على الرضا، وينبغي أن تكون الأجرة مما يصح أن يكون ثمنا في الجملة، وهو كونه طاهرا معلوما منتفعا به مقدورا على تسليمه، وقد استثنوا من هذه التسوية بينهما كراء الأرض لأجل الزراعة بالطعام أو بما يخرج منها، فإن الطعام خصوصا وما يخرج من الأرض عموما يصح أن يكون ثمنا في البيع، ولا يصح أن يكون ثمنا في إجارة الأرض للزراعة عندهم، وسيأتي الكلام عليه بمفرده، ومن الأدلة على لزوم بيان الأجر حديث أبي سعيد الخدري قال: «نهى رسول الله عن استئجار الأجير حتى يبين له الأجر، وعن النجش واللمس وإلقاء الحجر»، رواه أحمد، وفيه انقطاع، لكن الغرر منهي عنه، وقال : «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه»، ووجه الدلالة نسبة الأجر إلى الأجير، وكيف ينسب له ولم يعلم بالتسمية ولا بالعرف الذي لا يختلف فيه كما هو المذهب، فإن كان عرف لا يختلف فيه في أجرة الشيء أغنى عن البيان، وهو عندنا الآن معروف في مقدار أجرة السيارة والحافلة والباخرة والطائرة وغيرها، وقد قام الدليل على أن الأجرة لا يستحقها العامل حتى يقوم بما استؤجر عليه منها قول الله تعالى في الحديث القدسي الذي تقدم: «ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره»، وأصرح مما تقدم دلالة ما جاء في حديث أبي هريرة عند أحمد والبزار مرفوعا أنه يغفر لأمته في آخر ليلة من رمضان، قيل: يا رسول الله، أهي ليلة القدر»؟، قال: «لا، ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله»، وهذا يدل على ما في المذهب من أن الأصل في الأجرة أن تستحق شيئا فشيئا بحسب ما يقبض من العوض، إلا أن يشترط تقديمها أو يكون هناك موجب للتقديم مثل أن يكون عوضا معينا، أو يكون الكراء في الذمة أعني أن يكون سَلَمًا خوفا من الوقوع في بيع الدين بالدين.

وقال الشوكاني في نيل الأوطار (٦/ ٣٣): «وقد استدل بهذا الحديث أبو حنيفة والشافعي ومالك والليث والناصر على أنه لا يجوز أن تكون الأجرة بعض المعمول بعد

<<  <  ج: ص:  >  >>