أما كراهة السفر لأجل التجارة إلى بلاد الكفار فلما يلزم منه من الإقامة بين ظهرانيهم ولو مؤقتا، وهي منهي عنها، وقد يترتب عليها الخضوع لأحكامهم والتعرض للافتتان بما في بلدانهم من المنكرات والفواحش، ولما في العمل عندهم من إذلال المسلم وامتهانه، وقد قال النبي ﷺ:«أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، لا تراءى ناراهما»، رواه ابو داود والترمذي عن جرير، وفي المدونة شدد مالك الكراهة في التجارة إلى أرض الحرب لجري أحكام المشركين عليهم، وهذا كما ترى في مجرد التجارة، فكيف بالإقامة؟، وإذا كانت الهجرة واجبة على من أسلم من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام لو كان ذلك ممكنا في العصر للأسباب المعروفة، فكيف بذهاب المسلم من أرض الإسلام إلى بلدان الكفر للعمل فيها أو للإقامة أو للتجارة أو لطلب علم دنيوي هو موجود في بلاد الإسلام؟، وقد صار هذا الأمر مما يتنافس الناس فيه، ويحسب من حصل عليه أنه قد نال ما يرغب، وكثير من أئمة المساجد يبذلون ما يبذلون ليحصلوا على منصب في بعثات المنتدبين للذهاب إلى فرنسا، حتى إذا انتهت مدة عملهم أقاموا هناك بعد أن يحصلوا على الإقامة بطرق ملتوية ظانين أنهم قد بزوا الأقران، وحصلوا على ما يؤمله كل إنسان، ولا ريب أن كثيرا مما في بلاد الكفر هو في بلاد الإسلام من شرب الخمر وفشو الزنا وأكل الربا واستبدال المواضعات البشرية بأحكام الله تعالى، هذا نعرفه، ولكنه لا يسوغ الذهاب إلى بلاد الكفر للفارق الكبير الذي ما يزال موجودا بينهما والحمد لله، ونحن نأمل أن يردنا الله تعالى إليه ردا جميلا، وفي الأفق بارقة هذا الأمل، أما ترك التجارة في بلاد السودان فإن كانت في ذلك الوقت بلاد كفر فقد تقدم الحكم، والظاهر أن السبب ما كان فيها في عصر المؤلف من المخاطر، فإن المرء لا يجوز له أن يعرض نفسه لذلك، والسودان كلمة أطلقها العرب على الأرض التي يسكنها السود، وهي الآن آمنة فيها خير كثير.