للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

• قوله:

١٠٨ - «ولا حد على قاذف عبد أو كافر».

سبق في ذكر شروط إقامة الحد أن يكون المقذوف حرا مسلما، فمن قذف الكافر بنفي نسبه فلا حد عليه إذ لا حرمة لعرضه، لكن لا يلزم من نفي الحد نفي الأدب، وقد احتج بعضهم لهذا بذكر وصف الإيمان في قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٢٣)[النور: ٢٣]، فأما العبد فقد قال القرطبي: «أجمع العلماء على أن الحر لا يجلد للعبد إذا افترى عليه لتباين مرتبتهما، ولقوله : «من قذف مملوكه بالزنا أقيم عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال»، انتهى.

قلت: الحديث رواه الشيخان (خ/ ٦٨٥٨)، فلو كان الحد يقام عليه في الدنيا لما توعد بإقامة الحد عليه يوم القيامة، وإلا لكان قاذف الحر مثله، وقد تقرر أن الحدود كفارات لمن أقيمت عليه، كما قال النبي في الحديث الصحيح عن عبادة بن الصامت الذي تقدم في أوائل الحدود: «فمن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له»، لكن ينبغي أن تتنبه إلى أن الدليل الذي ساقوه حجة على عدم إقامة الحد على قاذف العبد أخص من الدعوى، فإنه في قذف السيد عبده، وكلامنا في قذف العبد عموما، فأما الاعتلال بأنه لا حرمة لعرضه ففيه كلام، كيف وهو مسلم وأعراض المسلمين محرمة بنص الحديث، وفي قوله «إلا أن يكون كما قال»، تقرير لما هو معلوم من أن أمور الآخرة لا تجري على الظاهر كأمور الدنيا، فإن الحد في الدنيا يقام على القاذف ولو كان الأمر كما قال ما لم يشهد أربعة شهداء، وفيه أيضا دليل على أنه لا إثم على من شهد بما علم، وإن أقيم عليه الحد، لكن لا يسوغ له أن يعرض نفسه لذلك، وإنما الشأن فيمن وقع منه ذلك من غير قصد إلى تعريض نفسه للعقاب، كما حصل لأبي بكرة ، وقد نقل بعضهم الإجماع على عدم إقامة الحد على الحر إذا قذف عبدا، لكن أخرج عبد الرزاق عن نافع سئل ابن عمر عمن قذف أم ولد لآخر فقال: «يضرب الحد صاغرا»، وهذا بسند صحيح كما في التعليق المغني على الدار قطني لأبي الطيب محمد آبادي، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>