للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أن نذر الطاعة منه ما يكون مشروطا، ومنه غير المشروط، فالأول كأن يقول لله علي صوم يوم إن شفى الله مريضي، فيتعين الوفاء به متى حصل الشرط، وأصله الكراهة لنهي االنبي عنه، فقد جاء في حديث ابن عمر أن النبي نهى عن النذر، وقال: «إنه لا يرد شيئا، ولكنه يستخرج به من البخيل»، رواه الشيخان (خ/ ٦٦٩٣) وأبو داود والنسائي، وإنما كان النهي عنه لما في إلزام المرء نفسه شيئا قد تستثفله، ولما قد يقع في روعه من أن النذر صرف شيئا مما قدر الله، أو جلب شيئا مما لم يقدره سبحانه، وغير المشروط كأن يقول: لله علي أن أعتمر، ويظهر أن هذا ليس كالأول، إلا أن يكون ملتزما على الدوام لما يخشى على ملتزمه من الملل والمشقة، قال القاضي عياض: «ومحصل مذهب مالك؛ أنه مباح إلا إذا كان مؤبدا لتكرره عليه في أوقات، فقد يثقل عليه فعله فيفعله بالتكلف من غير طيب نفس وغير خالص النية فحينئذ يكره»، انتهى بالنقل عن الفتح (١١/ ٧٠٤).

ولا فرق في لزوم الوفاء بين أن يكون النذر في حالة غضب وهو المسمى نذر اللجاج، وبين أن يكون المقصود به التبرر، ويدخل فيه ما إذا نذر شيئا يدفع الضرر به عن نفسه، تمسكا بظاهر ما نذره، كمن نذر عتق عبده لكراهة إقامته عنده، فيلزمه الوفاء أيضا، وقيل لا يلزمه الوفاء لأنه ليس قصده التقرب بما نذره، وإنما هو من باب الأيمان، ليلزم نفسه الإقدام على الشيء أو الامتناع منه، وأهل المذهب يقولون إن قصد القربة في هذا النوع لا يخفى، وانظر المسالك (٥/ ٣٧٧)، وهذا قد يُنقض بما ذهبوا إليه من لزوم الوفاء بالنذر ولو بمجرد النية، فيقال لهم ألزمتموه النذر بالنية هناك، وألزمتموه النذر باللفظ هنا مع أنه غير قاصد التقرب، وقد يجيبون بأن ما نذره هو قربة، فلا يضر عدم قصده ذلك، فافترق الأمران.

<<  <  ج: ص:  >  >>