الغياب متفاوت، فقد يكون الغائب خارج المجلس، وقد يكون فيه، فيحمل ذلك اللفظ الذي فيه سعة على ما لا سعة فيه، يزيده تأييدا ما جاء عند مسلم:«ولا تبيعوا غائبا بناجز إلا يدا بيد»، فلا يبقى للتردد مجال، وكلام الشارع لا ينبغي أن يهدر منه شيء، وممن رأى ذلك مالك كما تقدم، وهو قول ابن حزم، قال في المحلى (٨/ ٤٨٩): «ولا يجوز في ذلك التأخير طرفة عين فأكثر، لا في بيع ولا سلم»، انتهى.
فإن قلت: فقول عمر في قصة حديثه المتقدم: «كلا والله، لتعطينه وَرِقَه، أو لتردن عليه ذهبه»، يدل على خلاف ذلك، فإنه راوي الحديث وهو أولى أن يعرف معنى ما روى، فالجواب: أن المتبايعين قد يكونان جاهلين بالحكم فأمضى عمر بيعهما لذلك، لكن ألزمهما التقابض في المجلس، وليس العامد المنتهك للحكم كالجاهل، أو يكون عمر رأى أن ما كان في المجلس فهو حاضر على التوسع في معنى التقابض، وقد اعتمد الشافعي على قول عمر، ورعاية كلام النبي ﷺ مقدمة، وقد حدث في هذا الزمان مما يترتب على عدم التقابض الذي تقدم ترجيحه ما لم يكن معروفا من قبل، مما يرجح مذهب غير الجمهور، فإن التأخير ولو قليلا قد يترتب عليه من الخسائر لأحد الطرفين ما لا يقدر قدره، ومن المعلوم أن الأسواق المالية لها أوقات محددة للفتح، وأخرى للإغلاق، وأسعار العملات تتغير بين لحظة وأخرى، ولينظر هنا كتاب المؤلف المسمى (لا دليل على المنع من بيع الذهب والفضة بالعملات إلى أجل، ففيه مزيد بيان).