وأما حكم البيع فإنه مباح، وهذا معلوم من الدين بالضرورة، لكن قال رسول الله ﷺ:«من باع دارا ولم يجعل ثمنها في مثلها، لم يبارك له فيها»، رواه ابن ماجة عن حذيفة وهو في الصحيحة برقم (٢٣٢٧)، ففيه دلالة على كراهة ذلك.
وإنما يذكر الدليل هنا للاعتبار، ولما تحمله النصوص المستدل بها من المنافع والأنوار، قال الله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا (٢٧٥)﴾ [البقرة: ٢٧٥]، وقال الله تعالى: ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ (٣٧)﴾ [النور: ٣٧]، فوصف المؤمنين بأنهم لا تلهيهم التجارة والبيع عن ذكره، لا أنهم لا يبيعون ولا يتاجرون، قال قتادة:«كان القوم يتاجرون، ولكنهم كانوا إذا نابهم حق من حقوق الله لم تلههم تجارة ولا بيع عن ذكر الله حتى يؤدوه إلى الله»، انتهى، علقه البخاري، وقال تعالى بعد أن أمر بترك البيع حين النداء للجمعة: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠)﴾ [الجمعة: ١٠]، وقال تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١)﴾ [الجمعة: ١١]، فانظر كيف أمر بالانتشار عند انتهاء صلاة الجمعة، لكنه عاب من انصرف إلى التجارة وترك ما هو مقدم عليها يفوت وقته، ووقتها لا توقيت فيه.
وقد خفف الله تعالى عن المؤمنين من قيام الليل بعد أن أمر به رسوله ﷺ فقامه، فاقتدى به أصحابه فنزل التخفيف رحمة بهم، وذكر التجار الذين يضربون في الأرض إلى جانب المرضى والمجاهدين في سبيل الله، قال تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٠)﴾ [المزَّمل: ٢٠]، وفي الآية أن الأصل في التجارة الجلب لنفع الناس لا مجرد الشراء والبيع، فيكون ذلك من أسباب الغلاء، وقد جاء في الحديث الضعيف:«الجالب مرزوق والمحتكر ملعون»، رواه ابن ماجة عن عمر ﵁، والجالب الذي يسوق الشيء من موضع لآخر، وهو هنا يجلبه