٢٣ - «والمنخنقة بحبل ونحوه، والموقوذة بعصا وشبهها، والمتردية والنطيحة وأكيلة السبع، إن بلغ ذلك منها في هذه الوجوه مبلغا لا تعيش معه؛ لم تؤكل بذكاة».
لحم الحيوان الحلال أكله يعرض له ما يحرمه، وهو إما وصف حسي كموت الحيوان حتف أنفه، أو معنوي كالتقرب به إلى غير الله تعالى، وما ذكره هنا من الأول وهو مما حرم بنص الكتاب، قال الله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ [المائدة: ٣]، والاستثناء إنما يرجع إلى المنخنقة وما بعدها، فإنه يمكن أن تنتهي حياتها بالفعل قبل إدراكها، فتكون ميتة، وهي ليست مرادة هنا قطعا، إذ لو كانت مرادة؛ لكان كل ما ذكر من المنخنقة وما بعدها أفرادا من الميتة باعتبار سبب الموت، فيتعين أن المراد ما قتل بالخنق والوقذ والتردي والنطح وأكل السبع، غير أنكم أدركتموه حيا، لكنهم اختلفوا في معنى إدراك الحياة فيه، بناء على اختلافهم في ذلك الاستثناء هل هو متصل أو منقطع، فمن قال إنه منقطع - وهو مشهور المذهب - رأى أن ما ذكر إن كان وصل إلى حالة لا يعيش معها الحيوان، فإن الذكاة لا تنفع فيه، ولو أدرك حيا، وهو المسمى عندهم الميت حكما، إذا كان أحد مقاتله الخمسة قد أنفذ، وهي انقطاع النخاع، وانتثار الدماغ، وقطع الأوداج، وخرق المصران الأعلى، وانتثار الحشوة، وقيل قطع الودج مقتل، فمتى أنفد مقتل من هذه المقاتل في الحيوان فلا تنفع الذكاة فيه.
ومن قال إن الاستثناء متصل؛ رأى أن ما ذكر من المنخنقة وما معها؛ إن أدركت فيه الحياة؛ عملت فيه الذكاة، وهذا هو الأصل في الاستثناء، وهو ظاهر ما في الموطإ (١٠٥٥): «سئل مالك عن شاة تردت فتكسرت، فأدركها صاحبها فذبحها، فسال الدم منها ولم