للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرواة يرويه بالمعنى الذي بدا له،،،»، وقد أشار إلى بعض الروايات والأحاديث، والخطورة في قوله: «فجعل بعض الرواة يرويه بالمعنى الذي بدا له»، فإن شأن العلماء أن يصبروا على الروايات المختلفة، ويأخذوا بالزائد منها، ويردوا ما كان ضعيفا، أما أن يقال عن خير الأمة إنهم يروون الأحاديث بالمعنى الذي بدا لهم، وأن الذي دفعهم إلى هذا هو خفاء العلاقة عندهم بين تعجيل الفطر، ودوام الخير للأمة؛ فكلام بعيد عن التحقيق، ومجانب لما عليه علماء هذا الفن، أما الربط بين بقاء الخير وبين تأخير السحور وتقديم الإفطار؛ فلأن الأمة معه تكون عالمة بأحكام دينها، بعيدة عن اتباع أهل الملل الأخرى في الغلو والجفاء.

وقد جاء في رواية البيهقي ما يبين وجه ذلك الربط: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر، فإن اليهود يؤخرون»، ومن ذلك قوله : «لا تزال أمتي بخير، أو قال على الفطرة؛ ما لم يؤخروا المغرب إلى اشتباك النجوم»، رواه أحمد وأبو داود (٤١٨)، ويبينه أيضا أجلى بيان ما في صحيح مسلم وسنن أبي داود (٢٣٤٣) عن عمرو بن العاص مرفوعا: «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر»، والأكلة بفتح الهمزة المرة الواحدة من الأكل، وإن كثر المأكول، وقد قال العلماء إن التسحر يحصل بأقل ما يتناوله المرء من مأكول ومشروب، وقد ورد في الحديث ولو بجرعة ماء، وبيّن الشيخ الطاهر بعد قوله السابق؛ الحكمة من تعجيل الفطر وتأخير السحور، وهو كلام نفيس فاقرأه إن استطعت، ومن شمائله : «أنه كان لا يصلِّي المغرب وهو صائم حتى يُفطر ولو على شَربة ماء» رواه الطبراني عن أنس، وهو في الصحيحة.

ومن الحكمة في تعجيل الفطر وتأخير السحور الاقتداء بالنبي وهذا يجمع كل خير، ومنها أن لا يزاد في العبادات قصدا، مع ما فيه من الاستجابة لحاجة الجسم، ومنها مخالفة أهل الكتاب فإنهم لا يتسحرون، ومنها التَّقوِّي على العبادة، ومنها مدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع عند بعض الناس، ومنها كون التسحر سببا في الذكر والدعاء في هذا الوقت الفاضل، وهو وقت النزول الإلهي، ومنها أداء صلاة الصبح في وقتها، ومنها أن يتنبه لنية الصيام من غفل عنها، ومنها الإقبال على صلاة المغرب وقد فرغ بال الصائم من

<<  <  ج: ص:  >  >>