وترجم مالك في الموطإ بقوله العينة وما يشبهها»، ثم ذكر تحتها أنواعا من البيوع الممنوعة منها بيع الطعام قبل قبضه، وبيع الصكاك، ولعل ذلك لكونه راجعا إلى بيع دراهم بدراهم، أو دراهم بدنانير، والطعام مرجأ كما فسره ابن عباس ﵄ بأن يبيع المرء السلعة بثمن إلى أجل، ثم يشتريها منه بثمن أقل نقدا، وهذه لا تختلف عما تقدم إلا في المشتري، وجاء ذم العينة في قول رسول الله ﷺ:«إذا تبايعتم بالعينة، واتبعتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم»، رواه أبو داود (٣٤٦٢) وغيره عن ابن عمر ﵄، والعقوبة بتسليط الذل ووصف الفاعل للشيء بالخارج عن الدِّينِ يدل على حرمته، وقد روى أحمد عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأته أنها دخلت على عائشة هي وأم زيد بن أرقم فقالت أم ولد زيد لعائشة: إني بعت من زيد غلاما بثمانمائة نسيئة، واشتريت بستمائة نقدا، فقالت: أبلغي زيدا أن قد أبطلت جهادك مع رسول الله ﷺ إلا أن تتوب فبئسما اشتريت، وبئسما شريت»، وهو أيضا في مصنف عبد الرزاق وغيره، وقد قواه بعضهم بتعدد طرقه، وشهادة حديث ابن عمر له على افتراض أن صورة البيع التي في أثر أم المؤمنين -رضي الله تعالى عنها- هي العينة التي في حديثه، ومن المستبعد أن تجزم أم المؤمنين بإبطال تعاطي العينة للجهاد مع رسول الله ﷺ لو لم يكن معها شيء تأثره عنه، وقد ضعف الحديث الشافعي وابن حزم وغيرهما، ولا ريب أن من قصد التحايل على الربا بالمعاملة المذكورة في الأثر ففعله محرم، أما من لم يقصد ذلك فهو الذي يقصر على فعله الخلاف، وانظر نيل الأوطار للشوكاني (٥/ ٣١٧)
أما كلام المؤلف فيتضح بمثال هو أن من باع كتابا بألف يقبضها في شهر رمضان، ثم اشترى الكتاب من الذي باعه له بثمانمائة يدفعها من فوره، أو في شهر شعبان، أو اشترى الكتاب بألف ومائة يسددها في شوال، فهو بيع غير جائز، لأن فيه سلفا جر منفعة، ولأنه يؤول إلى أنه أعطى ثمانمائة على أن يأخذ ألفا، وهذا ربا، والكتاب وسيلة للوصول إلى ذلك.
ومفهوم ما ذكره أنه لو اشترى الكتاب بنفس الثمن الذي باعه به، أو أكثر منه يدفعه في نفس الأجل فإنه يجوز، ويقاص صاحبه بدينه الذي عليه، فإن تساوى الثمنان تساقطا،