والعصر للمطر، وهو مذهب الشافعي، بيد أنه لم ير العمل عليه في المدينة، فلم يقل به، وقد نفى ابن عبد البر في الاستذكار أن يكون مالك رأى هذا الجمع ولا أحد من أصحابه، وقيل إنه جعل ذلك خاصا بمسجد النبي ﷺ لكونه أفضل من غيره عنده، ولا دليل على الخصوصية.
وقد حمل بعض أهل العلم حديث ابن عباس على الجمع الصوري، ومنهم الشوكاني ﵀، وذكر فهم بعض رواة الحديث، منهم عمرو بن دينار وشيخه في الحديث السابق أبو الشعثاء، وفد رد الخطابي على من حمله على الجمع الصوري بأدلة عقلية متينة، وممن ذهب مذهبه محمد بن سيرين على أن لا يتخذ عادة، وقد كنت أميل إلى خلاف ما اعتمده الشوكاني كما هو مذكور في الجزء الأول، ثم وقفت على كلام للألباني ﵀ ذكره في الصحيحة في الجزء السادس القسم الثاني بعد أن أورد حديث عبد الله بن مسعود قال:«جمع رسول الله ﷺ بين الأولى والعصر، وبين المغرب والعشاء، فقيل له، فقال: «صنعت هذا لكي لا تحرج أمتي»، رواه الطبراني، ومضمونه ما تقدم في الجزء المذكور من أن ما جاء في حديث ابن عباس من قوله:«أراد أن لا يحرج أمته»، كاف في رد الجمع الصوري، لأن الحرج فيه أعظم، فلما جاء ذلك من كلام رسول الله ﷺ نفسه دل على صحة فهم ابن عباس، وأن الجمع لم يكن لعذر، وحكى الباجي وصاحب المقدمات عن أشهب إجازة الجمع لغير سبب اعتمادا على الحديث المتقدم، ولا يظهر أنه يريد بذلك الجمع الصوري كما نبه عليه محمد بن أحمد ميارة ﵀ في شرحه الكبير، وهذا الحديث مما يشنع به الروافض على أهل السنة يدعون عليهم مخالفة السنة، وهم المخالفون لها بالمداومة على هذا الجمع وبغير ذلك من المنكرات والأباطيل التي كشف المستور منها في هذا العصر كما لم يعرف من قبل خارج بطون كتبهم وصدورهم وخلواتهم.