٧٤ - «والبيع ينعقد بالكلام وإن لم يفترق المتبايعان».
حق هذا الأمر أن يقدم في أول الباب لأنه يرجع إلى ما يتم به عقد البيع، وذكره للكلام لا يدل على أنه لا ينعقد بغيره كالمعاطاة والإشارة ولو من القادر على الكلام لأن المناط هو الرضا فما دل عليه تحقق به البيع، غير أنه لا يجوز بيع ولا شراء الأخرس: الأعمى الأصم لافتقاده ما يدل على رضاه، وقوله وإن لم يفترق المتبايعان»، معناه أنه مهما تم العقد فلا خيار لأحدهما ما لم يشترط الخيار، أو يظهر في المبيع عيب على ما تقدم لأن خيار المجلس لم يقل به أهل المذهب، وعلى رأسهم مالك ﵀.
وقد قال رسول الله ﷺ:«المتبايعان كل منهما على صاحبه بالخيار ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار»، رواه مالك عن نافع عن ابن عمر، وقد تقدم، قال مالك بعد روايته الحديث في الموطإ:«ليس لهذا عندنا حد معروف، ولا أمر معمول به فيه»، انتهى، فقدم عليه عمل أهل المدينة، وقد سبق رد ابن العربي على ذلك، ومما ذكروه في الجواب عن عدم الأخذ به أن الافتراق في لغة العرب يكون بالأبدان وبالكلام فيحتمل أن يكون المقصود من ذكر التفرق الانتهاء من عقد البيع لكون ذلك مقدمة لتفرق الأبدان، وإطلاق لفظ المتبايعين على المتساومين مجاز سائغ من إطلاق السبب على المسبب، وقد تقدم ذلك في حديث ابن عمر في النهي عن أن يبيع المرء على بيع أخيه، ومن ذلك أن بقاء المتبايعين في المجلس لا يعلم مداه وقد يطول فيكون إمضاء البيع معلقا بمدة مجهولة، وقد كثر الكلام في الجواب عن ترك مالك العمل بهذا الحديث، ومع ذلك فمذهبه فيه مرجوح، فالصواب أن الخيار للمتبايعين ثابت ما لم يتفرقا من المجلس أو يقول أحدهما للآخر اختر، قال ابن عمر شارح الرسالة:«الذي عندي أن مذهب الشافعي بالنسبة إلى الأخذ بظاهر هذا الحديث أرجح، وأقل تكلفا للتأويل»، انتهى، نقله عنه علي الصعيدي في حاشيته على شرح أبي الحسن، وبهذا أنهى المؤلف الكلام على البيوع، وشرع يتكلم على ما شاكلها وهو الإجارة والجعالة والكراء والشركة والمساقاة والمزارعة والقراض وتضمين الصناع والعارية.