للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: والمعنى الثاني هو المناسب لمراد المؤلف، لأنه عطفه على ما قبله وهو قوله: ولا يتفكرون في ماهية ذاته، أي وحيث إن الأمر كذلك؛ فإنه لا يمكنهم معرفة صفاته؛ إلا بتعليمه لهم مما شاء أن يعلمهم إياه.

وقوله «وسع كرسيه السموات والارض»، أي لم يضق كرسيه عن السموات والأرض لسعته، فهو أكبر منهن مجتمعات، والكرسي في اللغة واحد الكراسي يجلس عليه، ولذلك قال المؤولون: وهذا مستحيل على الله تعالى، فهو إذن تصوير وتمثيل حسن لعظمته، لأن النفوس البشرية تجد من التعظيم والهيبة عند سماع الأشياء المحسوسة الدالة على الكبرياء والعظمة ما لا تجده عند سماع غير ذلك!!.

قال القرطبي في تفسيره: «وأرباب الإلحاد يحملونهما على عظم الملك، وجلالة السلطان، وينكرون وجود العرش والكرسي، وليس بشيء، وأهل الحق يجيزونهما، إذ في قدرة الله متسع، فيجب الإيمان بذلك».

وقال بعضهم: إن الكرسي هو العرش، فإنه لم يذكر في القرآن إلا في هذه الآية، وذكر العرش مرات، ولم يرد ذكرهما مقترنين حتى يحمل كل منهما على شيء، كما هو الأمر في الإيمان والإسلام مثلا، ولأن العرش في الأصل كرسي يسع أكثر من واحد كما قال تعالى: ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا﴾ [يوسف: ١٠٠]، فلما كان الأمر كذلك ساغ اعتبار الكرسي هو العرش.

وكل هذا مخالف للحق، ثم لظاهر كلام المؤلف، لو لم يرد عنه ما يبينه، فكيف إذا جاء من كلامه ما يدل على مراده، وهو قوله في كتاب الجامع: «وأن له كرسيا كما قال: «وسع كرسيه السموات والارض»، وبما جاءت به الأحاديث أن الله يضع كرسيه يوم القيامة لفصل القضاء.

وقال مجاهد: كانوا يقولون: «ما السموات والأرض في الكرسي إلا كحلقة في فلاة»، انتهى.

فالحق أن الكرسي غير العرش، وهو مخلوق عظيم، والعرش أعظم منه، فقد جاء في الحديث الذي رواه ابن مردويه عن أبي ذر الغفاري أنه سأل النبي عن الكرسي

<<  <  ج: ص:  >  >>