٦ - «ويسجدها من قرأها بعد الصبح ما لم يسفر، وبعد العصر ما لم تصفر الشمس».
لما كان سجود القرآن صلاة عندهم كما تقدم، وكان غير واجب؛ أعطي حكم النافلة، فلا يفعل في أوقات الكراهة، بله الحرمة، ومن الأوقات التي تكره فيها النافلة ما بعد صلاة العصر، وصلاة الصبح، وعلى هذا جاء قول مالك في الموطإ (٤٨١): «لا ينبغي لأحد أن يقرأ من سجود القرآن شيئا بعد صلاة الصبح، ولا بعد صلاة العصر، وذلك أن رسول الله ﷺ نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، والسجدة من الصلاة، فلا ينبغي لأحد أن يقرأ سجدة في تينك الساعتين» انتهى، فقد سماها كما ترى صلاة، ومنع من قراءتها للنهي الوارد عن الصلاة في هذين الوقتين، والذي سار عليه المؤلف هو ما في المدونة من جواز السجود بعد الصبح قبل الإسفار، وبعد العصر قبل الاصفرار، ووجه استثنائها من كراهة النافلة بعد الصبح والعصر؛ أنها سنة مؤكدة ففارقتها، ومراعاة للقول بوجوبها، والذي يظهر أننا إن اعتبرناها صلاة غير واجبة؛ فإن لها حكم النافلة المسببة، فمن رأى استثناءها سجد غير متقيد بوقت، وإن اعتبرنا السجود واجبا فالجمهور على استثناء الصلاة الواجبة من النهي والله أعلم.
وقد استدل المحدث الغماري في مسالك الدلالة لما في المدونة من جواز سجود التلاوة بعد العصر ما لم تصفر الشمس؛ بما رواه أبو داود (١٢٧٤) عن علي ﵁: «أن النبي ﷺ نهى عن الصلاة بعد العصر إلا والشمس مرتفعة»، وهذا حق لو قلنا إن سجود التلاوة صلاة، ويكون الاستدلال حينئذ أولويا، لأن السجود مسبب، لكن يلزم من استدل بهذا الحديث على مشروعية سجود التلاوة أن يستدل به على مشروعية النافلة بعد العصر قبل تلك الغاية، وهو صريح في ذلك، وأول راض سيرة من يسيرها.