للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحافظ في الفتح ترجيح البخاري، لكنه قال في التلخيص الحبير (ح/ ٣٩٠): «إنها في حديث أبي هريرة في قصة المسيء صلاته عند البخاري في كتاب الاستئذان».

وعورضت أيضا بأن النبي قال: «لا تبادروني بركوع ولا بسجود، فإنه مهما أسبقكم به؛ إذا ركعت تدركوني به إذا رفعت، إني قد بدنت»، رواه أبو داود (٦١٩) عن معاوية بن أبي سفيان، و «بدنت» بتشديد الدال؛ كبرت وأسننت، قاله ابن الأثير، ومعناه أنه كان يفعلها لكبر سنه، بحيث لا يقدر على القيام من السجود إلى الركعة الموالية، وهذا يتضح ضعفه بأمور: أولها: أن النهي عن مبادرته بالقيام والقعود لا يلزم منه أن تكون تلك الجلسة معللة بما ذكر، وثانيها: أن أفعاله على المشروعية حتى يرد ما ينقلها عنها، لقوله: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، فلو كانت هذه الجلسة مما لا يشرع الاقتداء به فيه ؛ لاستثناها من عموم قوله، لأنه مكلف بالبيان، وثالثها أن من جلس بعد السجود هنيهة، يكون ذلك أشق عليه مما لو قام دون جلوس، لأنه يزيد من الحركات.

وقد قال بهذه الجلسة القاضي أبو بكر بن العربي، كما في عارضة الأحوذي (٢/ ٨٢): «وهذا حسن في صفة القيام، ولم يره مالك»، وقال: «وقد روي عن علمائنا أنه إن أتى بهذه الجلسة سهوا فعليه السجود، وهذا وهم عظيم».

قلت: ما قاله العلماء من السجود صحيح، لأن هناك فرقا بين من أتى بهذه الجلسة تسننا، ومن أتى بها غير معتقد مشروعيتها، بل فعلها سهوا.

والذي يظهر أن المصلي إذا علم أن إمامه لا يأتي بها؛ فالأولى أن يتركها لأن متابعة الإمام أرجح من هذه الجلسة، لما في فعلها من المخالفة الظاهرة، فإن كان المصلي إماما أتى بها، ومن علم بذلك من المأمومين؛ كان مطالبا بالإتيان بها متابعة له كذلك، أما القول بأن التأخر عن الإمام في هذه الجلسة خفيف، يشبه التأخر عنه في حال القيام حتى يسجد؛ فلا يستقيم التنظير به، لأن تأخر القائم حتى يسجد إمامه ليس فيه مخالفة، ولو كان كذلك لكان منصوصا، وما نحن فيه ليس كذلك، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>