البناء على القبر يكون بإحاطته بالجدران، ولا يهم إن كان على شكل قبة، أو بناء عادي، مع تسقيف أو بدون تسقيف، ويكون أيضا ببناء جوانب القبر ونصب الشواهد في جهتي الرأس والرجل، فهذا كله يصدق عليه أنه بناء، وهو مخالفة للنهي الصريح عن ذلك، كما سيأتي، لكن الأول أعظم خطرا، لأن فيه الاستحواذ في بعض صوره على ملك الغير، وأخطر من ذلك كله ما فيه من الافتتان بالميت: بقصده ودعائه، أو الدعاء به، أو الدعاء عنده، والتبرك ببنائه، وقد يصل إلى الذبح عنده، وقد علل أهل المذهب كراهة هذا النوع من البناء بما فيه من تفضيل الميت على غيره من المقبورين، ولو كانت هذه هي العلة وحدها لكان الأمر أهون، واشترطوا لبقاء الحكم في حيز الكراهة التنزيهية كما هو المشهور بالنسبة للنوع الأول شروطا: أولها أن يكون في أرض موات أو مملوكة للباني، والثاني أن لا يأوي إلى البناء أهل الفساد، والثالث أن لا يباهى به، وقالوا إنه يحرم في الأرض المحبسة مطلقا، وبهذا يتبين لك أن بناء القبب والضرائح على الموتى محرم عند أهل المذهب حتى على القول بحمل نهي النبي ﷺ عن البناء على الكراهة التنزيهية، وما ذلك الحمل بمتجه، كما سيتبين لك إن شاء الله.
ودليل المنع من البناء حديث جابر ﵁، قال:«نهى رسول الله ﷺ أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه»، رواه مسلم (٩٧٠) وأبو داود (٣٢٢٥)، وجاء النهي عن الكتابة أيضا في رواية الترمذي (١٠٥٢)، والجص بفتح الجيم، وكسرها - ومثله القصة بفتح القاف - هو الجير، وتجصيص القبر- ويقال تقصيصه - طليه بالجص، وغير الجص مثله، وحقيقة القعود معروفة، وحمل مالك ﵀ القعود على قعود قضاء الحاجة وهو مجاز، لكن جاء في حديث أبي هريرة عند مسلم (٩٧٢) مرفوعا: «لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها»، وقوله ﷺ: «لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه، فتخلص إلى