وهذا لأنها محرمة عليهم كما قال الله تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ (١٤٦)﴾ [الأنعام: ١٤٦]، وقال رسول الله ﷺ:«قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم، فجملوها فباعوها»، رواه البخاري عن عنر بن الخطاب، جملوها أذابوها، وهم يزعمون أنهم يتبعون ما في كتابهم، ونحن مستيقنون أن هذا منه، فيكره أن نأكله، لأنه غير مقصود عندهم بالتذكية فأشبه الدم، وهذا قول ابن القاسم كما ذكره القرطبي في تفسيره، وقد يقال إن الذي أحل لنا طعامهم، وهذا ليس منه، لكن يقال إن الله تعالى أحل لنا ذبائحهم من غير تفصيل، وما كان ربك نسيا، وقد ثبت أكل النبي ﷺ من كتف شاة مسمومة أهدتها له يهودية، وكأن ابن القاسم توسط بالقول بالكراهة بين روايتين عن الإمام، الأولى بالتحريم، قاله في كتاب محمد، ووجهها والله أعلم أن الشحوم ليست مما أحل لهم، والثانية أنها حلال وهي في المبسوط، وقال بها ابن نافع، قال القرطبي نقلا عن ابن العربي:«وهو الصحيح، لأن الله ﷿ رفع ذلك التحريم بالإسلام، واعتقادهم فيه لا يؤثر، لأنه اعتقاد فاسد»، انتهى.
وقد روى الشيخان وأبو داود (٢٧٠٢) عن عبد الله بن مغفل قال: «دلي جراب من شحم يوم خيبر قال فأتيته فالتزمته، قال: ثم قلت لا أعطي من هذا أحدا اليوم شيئا، قال: فالتفت فإذا رسول الله ﷺ يتبسم لي»، والجراب وعاء من جلد، وهذا نص في المسألة.