٣ - «وإن نوى المسافر إقامة أربعة أيام بموضع، أو ما يصلي فيه عشرين صلاة؛ أتم الصلاة حتى يظعن من مكانه ذلك».
سريان حكم السفر لا يكون إلا بالنية مع الشروع فيه حسب ما تقدم، أما انقطاع حكمه في المكان الذي سافر إليه فيكون بنية إقامة أربعة أيام، أو مدة يصلي فيها عشرين صلاة في أي موضع عامرا كان أو قفرا.
وفي المذهب قولان في مدة الإقامة التي تقطع السفر: الأول أنها أربعة أيام صحاح، وهذا يعني إلغاء يومي الدخول والخروج، أو أحدهما، إذا دخل بعد الفجر، وخرج قبل المغرب، وهو قول ابن القاسم، والقول الثاني مقدار ما يصلي عشرين صلاة، فيلفقها من يوم دخوله ويوم خروجه، وهذا قول سحنون وعبد الملك وابن وهب، فأو في كلام المصنف لبيان الاختلاف، لا للتخيير.
والظاهر من القولين الثاني، ومرده إلى ما ثبت أن النبي ﷺ في حجة الوداع صلى الصبح خارج مكة، ولعله صلاه بذي طوى، حيث جاء في الصحيح قول ابن عمر:«بات النبي ﷺ بذي طوى حتى أصبح»، انتهى، ومعنى ذلك أنه دخل مكة صبيحة اليوم الرابع - وهو يوم الأحد - وأقام بها الخامس، والسادس، والسابع، ثم خرج إلى منى يوم الثامن - وهو يوم الخميس - فصلى فيها الظهر، فيكون قد صلى في مكة عشرين صلاة، وقد كان يقول عن نفسه ومن معه من أصحابه الوافدين على مكة:«إنا قوم سفر»، ولا ريب أنه ﷺ حين دخل مكة قصد إقامة هذه المدة، فمن نوى إقامة مثل المدة التي أقامها فحكمه أن يقصر قطعًا، فإن زاد عليها أتم.
أما إن قيل: إن أنسا ﵁ قد سئل عن مدة إقامة النبي ﷺ بمكة، فقال عشرا، وهو في صحيح البخاري وغيره؛ فالجواب: أن أنسا جمع مدة الإقامة كلها في مكة وما حولها، أعني من يوم دخوله مكة وهو اليوم الرابع من ذي الحجة إلى يوم خروجه وهو اليوم الرابع عشر، فهي إقامة ملفقة، لأن السفر تخللها إلى منى ثم عرفة ثم منى.