محيط بكل شيء، وفوق كل شيء، ومعنى الثانية أنه محيط بكل شيء فوق العرش، وهذه والله أعلم إما أن يكون أسقطها بعض النساخ سهوا، ثم استنسخ بعض الناس من تلك النسخة، أو أن بعض المحرفين الضالين أسقطها قصدا للفساد وإنكارا لصفة الفوقية، وإلا فقد قام الدليل على أن العرش فوق المخلوقات، وليس فوقه شيء من المخلوقات، فلا يبقى لقوله محيط، بمعنى محيط بكل شيء فوق العرش والحالة هذه معنى، إذ ليس فوق العرش من المخلوقات ما يحيط به، فتعين ثبوت الواو، ويكون المعنى أنه سبحانه محيط بكل شيء، وفوق كل شيء»، انتهى.
وقد ذكر ابن كثير ﵀ أن آية الكرسي اشتملت على عشر جمل، كما اشتمل قوله تعالى في سورة [الشورى: ١٥]: ﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ الآية على عشر جمل.
قلت: وقد خص بعض العلماء آية الكرسي بالتأليف، وهي أعظم آية في القرآن الكريم، وفيها اسم الله الأعظم كما صح بذلك الخبر، وأنا أشير هنا إلى ما د لت عليه كل جملة من تلك الجمل باختصار:
١ - ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾: دلت على انفراد الله تعالى بالإلهية، والمقصود إبطال أن يستحق العبادة ما عبد من دونه، ولذلك جاءت الفقرات التي بعدها تؤكد مضمونها، أو تبين لوازمها.
٢ - ﴿الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾: وصف ربنا نفسه بالحياة والقيومية على خلقه، فهو تقرير لمضمون الجملة قبله، لأنها دالة على كمال حياته بخلاف غيره، فإنهم جميعا محتاجون مفتقرون إليه.
٣ - ﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾: نفى عن نفسه سبحانه نقص الحياة ممثلا في السنة والنوم، ومثلهما الغفلة والذهول والسهو والنسيان والخطأ، وإنما نص على نفي النوم لأن نفي السنة لا يستلزم نفيه، لأنها أوله، فاقتضى ذلك اتصافه بالحياة الكاملة التي ليست لغيره، فكان تدبيره لخلقه دائما مستمرا، سبحانه جل شأنه، وعز سلطانه.
٤ - ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾: هو مالك السموات والأرض وما فيهما، وهذا