المطلوبية، لا القول بالكراهة، ثم إن القول بعدم استحبابه أو كراهته مناف لقول المؤلف:«وأما الرجل في خاصة نفسه؛ فإن أذن فحسن»، والمشهور في المذهب اختصاص أذان المنفرد بالمسافر، والمراد بالسفر من بالفلاة لا سفر القصر، والقول الآخر أن المقيم مثله، قال ابن العربي في (العارضة ٢/ ٧): «والأذان للفذ فيه فضل عظيم، فكيف للاثنين فما فوقهما؟، فلا ينبغي أن يغفل»، لكن هل يشرع ذلك للمنفرد الذي يأتي المسجد وقد انتهى الناس من الصلاة فيؤذن كما يفعل بعضهم؟، قد يستدل على ذلك بالعمومات الواردة في الأذان، وبما صح عن أنس بن مالك ﵁ أنه جاء إلى مسجد قد صلي فيه، فأذن وأقام وصلى جماعة»، علقه البخاري جازما في باب فضل صلاة الجماعة، وهو في مسند أبي يعلى، ومصنف ابن أبي شيبة، والظاهر أن ذلك لا يكفي، أما العمومات فقد علمت أن المطلوب ممن سمع الأذان حكايته، ولو عملنا بها لقلنا بمطلوبية الأذان من كل أحد، وأما أثر أنس ففعل صحابي ولا حجة فيه بمفرده، ثم إن المسجد الذي حصل فيه ذلك لا ندري عنه إلا أنه قد صلي فيه، وهو مسجد بادية قد لا يكون الأذان فيه راتبا كشأن مساجد الحضر، وثمة مفاسد تترتب على أذان كل من أتى المسجد لا يتسع المقام لذكرها.
ومما يدل على وجوبه حديث مالك بن الحويرث قال أتينا إلى النبي ﷺ ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين يوما وليلة، وكان رسول الله ﷺ رحيما رفيقا، فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلنا؛ سألنا عمن تركنا بعدنا، فأخبرناه، قال:«ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم، وعلموهم، ومروهم - وذكر أشياء أحفظها، أو لا أحفظها - وصلوا كما رأيتموني أصلي، فإذا حضرت الصلاة؛ فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم»، رواه البخاري (٦٣١) ومسلم، وروى البخاري عن مالك بن الحويرث قال:«أتى رجلان النبي ﷺ يريدان السفر، فقال: «إذا أنتما خرجتما؛ فأذنا، وأقيما، ثم ليؤمكما أكبركما».
ومما جاء في أذان المنفرد ما رواه أبو داود (١٢٠٣ والنسائي عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «يعجب ربكم من راعي غنم في رأس شظية بجبل، يؤذن بالصلاة ويصلي، فيقول الله ﷿: انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني، فقد غفرت لعبدي، وأدخلته الجنة»، ربنا عالم بكل شيء، خالق كل شيء، بما في ذلك