للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وانصداع الفجر انشقاقه بظهور الضياء في الأفق، حيث تلتقي قبة السماء بالأرض، وينصدع الفجر أولا في المكان الذي تكون الشمس قبالته تحت الأفق، وإشراقها لا يكون في المكان الذي يبتدئ منه انبلاج الفجر ولا بد، نظرا لحركتها الظاهرة، ثم يذهب الضياء متمددا في اتجاهين: في الأفق عرضا، وفي الارتفاع عن الأفق مكتسحا الظلام شيئا فشيئا جهة الغرب، وقوله: «ذاهبا من القبلة إلى دبر القبلة»؛ هذا إنما يظهر في الأماكن التي تكون فيها القبلة جهة المشرق، فلا إشكال فيه، وقد قال بعضهم إنه مشكل.

وقد بين المؤلف بالقيود المذكورة الفجر الصادق احترازا من الفجر الكاذب الذي لا يدل على بداية اليوم، فوصفه بأنه معترض، أي منتشر، والكاذب لا ينتشر، فإنه مستدق كذنب السرحان (بكسر السين)، وهو الذئب - وقيل والأسد - يتجه من المشرق إلى المغرب ثم يعقبه الظلام، وقد روى الحاكم والبيهقي عن ابن عباس أن النبي قال: «الفجر فجران: فجر يحرم فيه الطعام، وتحل فيه الصلاة، وفجر تحرم فيه الصلاة، ويحل فيه الطعام»، والمراد تحريم الطعام على مريد الصوم، وتحريم صلاة الصبح خاصة، فهو من العام المراد به الخصوص.

واعلم أن النبي كان يبادر بصلاة الصبح في أول وقتها، وكذلك الخلفاء الثلاثة من بعده أبي بكر وعمر وعثمان، ففي الحديث الذي رواه مالك وصاحبا الصحيح وأبو داود (٤٢٣) عن عائشة قالت: إن كان رسول الله ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس»، التلفع هو الاشتمال، والمروط جمع مرط بكسر الميم الكساء، والغلس اختلاط الضوء بالظلام، وسمي في بعض الروايات غبشا، أما قوله : «أصبحوا بالصبح فإنه أعظم لأجوركم»، رواه أبو داود (٤٢٤)، والترمذي (١٥٤)، وقال حسن صحيح، فإن معناه عند جمهور أهل العلم إطالة القراءة في صلاة الصبح، فيكون الانصراف في حالة الإسفار، وبهذا يوافق ما فعله النبي والخلفاء الثلاثة من بعده من المبادرة بصلاة الصبح، ولا يكون مناقضا له، ويؤيده ما رواه البزار عن أنس قال: سئل النبي عن وقت صلاة الغداة، فصلى حين طلع الفجر ثم أسفر بعد ثم قال: أين السائل عن وقت صلاة الغداة، ما بين هذين وقت، وقيل المراد أن تصلى بعد الفجر الثاني،

<<  <  ج: ص:  >  >>