للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متعمدا» (١)، صريح في عدم المغفرة، فيكون مما لم يشإ الله مغفرته، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: ٤٨]، لكن ليس فيه دلالة على خلود القاتل عمدا في النار فافهم، والعلم عند الله.

ولا ينبغي أن يحتج على خلاف هذا بذلك الذي قتل مائة، ثم قبلت توبته، بحجة أن الله وضع عن هذه الأمة الآصار التي كانت على من قبلهم، فكيف يكون عندهم من التخفيف ما ليس عندنا؟، وجوابه أن التخفيف العام لا يلزم منه التخفيف في كل فرد من الأفراد، نظير تفضيل المجموع على المجموع لا يلزم منه تقضيل كل فرد منهما على الآخر، والله أعلم.

- من لم يتب من الموحدين من الذنب الكبير غير الإشراك بالله كان الأمر فيه إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه، فإن الله تعالى إنما استثنى من المغفرة الإشراك به فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: ٤٨].

- شرع الله تعالى حدودا لمعاص معينة، فإذا أقيمت على العبد في الدنيا كانت كفارة للذنب، ولذلك أثر عن بعض من فعلوا شيئا منها على عهد رسول الله حرصهم على إقامة الحد عليهم، منهم ماعز والغامدية، وقد صح من رواية عبادة بن الصامت قول النبي : «بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف، فمن وفى بذلك منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله، فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه» (٢).

- جعل الله للذنب كفارات عدة غير التوبة وفعل الحسنات، بعضها في الدنيا، وبعضها في الآخرة، فقد جاء في الحديث الصحيح (٣): «ما يصيب المؤمن من هم ولا


(١) رواه أبو داود عن أبي الدرداء (٤٢٧٠).
(٢) متفق عليه: البخاري (١١٨)، ومسلم (١٧٠٩).
(٣) متفق عليه: البخاري ٥٦٤١) - (٥٦٤٢)، ومسلم (٢٥٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>