عبد البر، والغماري في مسالك الدلالة، ولو صح فإن نفي السماع لا يمنع كونهم كانوا يبسملون سرا، ومع ذلك فالثابت عنه ما تقدم أنهم كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين، وقد رأيت عدم دلالته على ترك الاستفتاح والتعوذ والبسملة، بل جاء ما يدل على قراءة البسملة، وهوقول النبي ﷺ:«إذا قرأتم الحمد الله فاقرؤوا بسم الله الرحمن الرحيم .. ، إنها أم القرأن، وأم الكتاب و السبع الثاني، وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى أياتها»، رواه الدرقطني والبهيقي عن أبي هريرة.
والظاهر أن مالكا إنما قال بترك الاستفتاح في الرواية المشهورة عنه لما كان معمولا به عندهم كما سبق، يتبين لك هذا إذا علمت ما رواه ابن القاسم عن مالك في القول بعد الإحرام «سبحانك اللهم ربنا ولك الحمد»(؟)، قال:«قد سمعت ذلك يقال، وما به من بأس لمن أحب أن يقوله»، قيل:«فالإمام يكبر فقط، ثم يقرأ»؟، قال:«نعم»، وقال ابن العربي في العارضة (٢/ ٤٣ و ٥٣) عن الاستفتاح: «وقول ذلك أحسن، والافتتاح بالذكر أجمل، وقد روي عن مالك في مختصر ما ليس في المختصر أنه كان يقول بعد التكبير كلمات عمر، وكلمات النبي ﷺ أحق بالقول»، انتهى.
والمراد بكلمات عمر ما رواه أبو داود (٧٧٥) والترمذي عن أبي سعيد قال: «كان رسول الله ﷺ إذا قام إلى الصلاة بالليل؛ كبر ثم يقول: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك،،،» الحديث، ورواه مسلم تبعا منقطعا موقوفا على عمر، وهو مما لا يقال بالرأي، فلا يكون من كلامه، لا سيما مع جهره به، وتعليمه للصحابة، وقد رجحة بعضهم على غيره لذالك مع كونه دعاء ثناء، وعنى ابن العربي بكلمات النبي ﷺ حديث أبي هريرة الصحيح، قلت: يا رسول الله إسكاتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟، قال أقول:«اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والبرد والثلج»، وقول الإمام مالك هذا هو أحق أقواله بالأخذ، كيف وقد روى عنه أبو داود (٧٦٩) قال: «حدثنا القعنبي عن مالك قال: «لا بأس بالدعاء في الصلاة: أوله، وأوسطه، وفي آخره، في الفريضة، وغيرها»، فهذا يشمل دعاء الاستفتاح، وغيره