للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقاومة الظالمين إلى عباده المؤمنين، تكريما لهم، ورفعا لشأنهم عنده، وليكون ذلك برهانا على محبتهم له، واسترخاص أغلى ما عندهم طلبا لمرضاته، يفعلون ذلك لإعلاء كلمته، وإزالة الفتنة عن الناس، حتى يكونوا أحرارا لا سلطان لأحد على عقائدهم، وإنما شرع لهم ذلك منذ رسالة موسى ، وقبلها كان ربنا ﷿ ينتقم من الظالمين بآفات عذابه، وغواشي نقمته، يرسلها عليهم، يشير إلى ذلك قول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٣)[القصص: ٤٣]، وقد روى ابن جرير عن أبي سعيد الخدري قال: «ما أهلك الله قوما بعذاب من السماء ولا من الأرض بعد ما أنزلت التوراة على وجه الأرض غير أهل القرية الذين مسخوا قردة بعد موسى»، وهذا وإن كان موقوفا فليس مما يقال بالرأي.

ومن لوازم فرض الجهاد على الدوام؛ فرض إعداد القوة له، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولأن إعداد القوة كما يكون للجهاد، يكون وسيلة للاستغناء عنه ولو مؤقتا، وقد قال رسول الله : «لا تزال طائفة من أمتى يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال»، رواه أبو داود (٢٤٨٤) عن عمران بن حصين، ويعجبني تفسير بعض السلف كمجاهد وابن جبير لقوله تعالى ذاكرا الغاية في القتال: ﴿حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا﴾ [محمد : ٤]، قالا حتى خروج عيسى ، وهذا من عظيم فقههما رحمهما الله، فإن الحروب لا تنقطع ما بقي كفر وإيمان، وهما مستمران لا ينتهيان حتى قرب قيام الساعة التي لا تقوم إلا على شرار الخلق.

وأهل الجهاد الكفائي هم المسلمون من الذكور الأحرار البالغين القادرين، فلا يجب الجهاد على النساء، ولا على الصبيان والعبيد، ولا على المرضى، فإن النبي قد نص على أن جهاد النساء الحج، والعبيد مستغرقون في خدمة مالكيهم، والصبيان غير مكلفين، والمرضى معذورون بنص الكتاب، قال تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ (١٧)[الفتح: ١٧]، أما الكفار فلا يستعان بهم في القتال، وقد قيل يستعان بهم في الخدمة، فإن خرجوا من تلقاء أنفسهم فالمعتمد عدم منعهم، وقد روى الشيخان عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: «خرج رسول الله إلى بدر، حتى إذا كان بحرة الوبرة؛

<<  <  ج: ص:  >  >>