للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمر الله نبيه أن يحرض المؤمنين عليه، وأن يقاتل ولو وحده، وجاء في ذم القاعدين عنه ما جاء، ومن ذلك قول النبي : «من لم يغز، ولم يحدث نفسه بغزو؛ مات على شعبة من نفاق»، رواه مسلم وأبو داود (٢٥٠٢) عن أبي أمامة، وعنه أيضا: «من لم يغز، أو يجهز غازيا، أو يخلف غازيا في أهله بخير؛ أصابه الله بقارعة»، وفي رواية قبل يوم القيامة، رواه أبو داود (٢٥٠٣)، وهذا أقل ما يجزئ من الغزو، وقد ترجم بذلك أبو داود على حديث «من جهز غازيا فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا»، وقد رواه الشيخان عن زيد بن خالد الجهني، ومما جاء في ذم الجبن عن القتال قول النبي : «شر ما في رجل؛ شح هالع، وجبن خالع»، رواه أبو داود (٢٥١١)، والشح أشد من البخل، والهالع الشديد الجزع، وصف الشح به مجازا، على غرار يوم عاصف، والجبن الخالع هو الشديد، كأنه يخلع فؤاد صاحبه، وحرم سبحانه الفرار عند الزحف، وهو من الكبائر، وحسبك أن الترمذي عقد لفضل الجهاد بابا أورد فيه نحو الخمسين حديثا ليس فيها من الضعيف إلا اليسير، وما كل هذا إلا لما في القتال من الشدة والعسر ونفور الطباع عنه، وقد بين كراهية النفوس للقتال لما فيه من سفك الدماء وإزهاق الأرواح، لكن ما يبدو فيه من المضار؛ لا يرقى إلى ما فيه من المنافع والمصالح، فإن الدين أول الكليات الخمس التي يجب أن تحمى فإذا تعارضت حماية الدين بوقاية النفس؛ قدم الأوكد، قال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٢١٦)[البقرة: ٢١٦]:

الشيب كره وكره أن نفارقه … فاعجب لشيء على البغضاء محبوب

ومع هذا قال النبي : «لا تمنوا لقاء العدو، فإذا لقيتموهم؛ فاصبروا، رواه الشيخان عن أبي هريرة، وهو نهي عن طلب البلاء، ولما قد يكون فيه من إظهار الشجاعة وطلب الرفعة، ولا يتنافى مع تمني الشهادة، فإنه أعم من طلب اللقاء، قال الحافظ في الفتح (١٣/ ٢٧٥): «أو لعل الكراهية مختصة بمن يثق بقوته، ويعجب بنفسه ونحو ذلك».

والقتال مما لا ينفك عنه الاجتماع البشري، فهو سنة من السنن التي شاء الله تعالى وجودها في خلقه، لتنازع الناس البقاء، ورغبتهم في توسيع الملك، والسلطة والنفوذ، فجعل

<<  <  ج: ص:  >  >>