ثم إن المريض في حالة ضعف وقلق قد ينقطع عن محيطه فيلزم بيته، ويفارق صحبه، فيحتاج إلى أن يلتقي بمن ألفهم من رفقائه يتأنس ويتسلى بهم، فكان من الواجب الكفائي عيادته وتفقد حاله، وينتفع العائد بذلك أيضا لتذكره الآخرة كما قال النبي ﷺ:«عودوا المريض، واتبعوا الجنازة تذكركم الآخرة»، رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد عن أبي سعيد، وقال النبي ﷺ:«فكوا العاني، وأجيبوا الداعي، وأطعموا الجائع، وعودوا المريض»، رواه أحمد والبخاري عن أبي موسى، والعاني المسجون، وقد روى أحمد وأبو داود عن علي ﵁ مرفوعا:«إذا دعا الرَّجُل أخاه المسلم مشى في خِرافة الجنة حتى يجلس، فإذا جَلَس عمرته الرحمة … » الحديث، لكن عيادة المريض الذي تجب نفقته على المرء عينا هي واجب عيني.
ومن آداب عيادة المريض أن يتخير الوقت المناسب لها حتى لا يحرج المريض، وأن لا يطيل الجلوس عنده إلا إذا علم أن في ذلك مصلحة له، وأنه يرغب في ذلك، وأن لا يذكر له من مات من مرضه، أو يذكر له خطورته، أو أنه لا يرجى برؤه، وأن يؤنسه بالدعاء له، وأن يدعوه إلى الصبر ليعظم أجره، ويذكر له من صالح عمله الذي يعلمه عنه ما يبعده عن القنوط واليأس.
ومن العظائم العقدية التي يرتكبها بعضهم أن يقول للمريض أنت لا تستأهل هذا، ولو كان لازم المذهب مذهبا لخيف على قائله الكفر إن كان عالما بمعنى ما يقول
ومن أوائل ما لقننا شيخنا مصطفى الأزهري بالمعهد الإسلامي بمدينة بلعباس من آداب عيادة المريض قول لبعضهم لا أعرفه:«حمق العواد أشد على المرضى من أمراضهم، يجيئون في غير وقت، ويطيلون الجلوس، وقد قيل المريض يعاد، والصحيح يزار»، انتهى، ومما ذكره لنا أن أحدهم زار مريضا، فكان مما قاله له:«من هذه العلة مات فلان، ومات فلان»، فما كان من المريض إلا أن رد بقوله حين هم العائد بالانصراف:«يا هذا إذا عدت المرضى، فلا تنع إليهم الموتى، وإذا خرجت عنا فلا تعد إلينا».