وقد قص الله تعالى علينا في القرآن خبر خمسة وعشرين رسولا، ذكر في سورة الأنعام منهم ثمانية عشر هم على ترتيبهم فيها إبراهيم وإسحاق ويعقوب ونوح وداود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وزكرياء ويحي وعيسى وإلياس وإسماعيل واليسع ويونس ولوط، ولم يرتبوا على مقتضى أزمنة بعثهم بل على حسب ما كانوا عليه من الحال كالملك وغيره، وذكر في مواضع أخرى السبعة الباقون، وهم آدم وهود وصالح وشعيب وذو الكفل وإدريس وخاتمهم سيدنا محمد ﷺ وعلى جميع أنبيائه ورسله، وقد نظمهم بعض العلماء بقوله:
في تلك حجتنا منهم ثمانية … من بعد عشر ويبقى سبعة وهُمو
إدريس، هود، شعيب، صالح، وكذا … ذو الكفل، آدم، بالمختار قد خُتِمُوا
وقوله:«لإقامة الحجة عليهم» يؤخذ منه أن الحجة لا تقوم على الناس إلا بإرسال الرسل، وهذا هو الظاهر من نصوص عدة، أبرزها قوله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: ١٥]، أي ليس من شأننا أن نعذب الناس إلا إذا أرسلنا إليهم رسولا، فبلغهم شرعنا، وعلموا منه ما يتقون به عقاب الله تعالى، والظاهر أن العذاب المنفي عام في عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، لكن وقع الخلاف في أهل الفترة هل هم من أهل النار إذا ماتوا على الكفر أم لا؟، وهو ما أشار إليه صاحب مراقي السعود بقوله:
ذو فترة بالفرع لا يراع … وفي الأصول بينهم نزاع
فقالت طائفة من أهل العلم هم معذورون لكونهم لم يأتهم نذير، ونصوص القرآن كثيرة في تعليق العذاب على بلوغ الدعوة، كقوله تعالى: ﴿تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨)﴾ [الملك: ٨] وقوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ