فأما ما رواه أبو داود (١٥٠٠)(والترمذي والنسائي نسبه إليهما في عون المعبود) من حديث سعد أنه دخل مع رسول الله ﷺ على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح بهن فقال: «أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا، أو أفضل»؟، فقال:«سبحان الله عدد ما خلق في السماء، وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض، وسبحان الله عدد ما خلق بين ذلك، وسبحان الله عدد ما هو خالق، والله أكبر مثل ذلك، والحمد لله مثل ذلك، ولا إله إلا الله مثل ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك»، فإن من ضعف الحديث فلا يلزمه، ومن أثبته ففيه تقريره ﷺ لهذه المرأة ومثلها سائر المكلفين على استعمال الحصى والنوى في العد، مع بيان أن استعمال الأنامل أفضل، فلا ينبغي العدول عنه إلى المفضول لمن كان غرضه الاتباع، فإن فعل؛ فليعلم أن الحصى والنوى ليس كالسبحة تعد لذلك وتشترى، فليتحفظ، وليحذر أن يشتهر ويتظاهر بها، فضلا عن تعليقها في العنق، واختيار حباتها في حجم معين من الكبر وطيها على اليد، وتحريك حباتها مع الاشتغال بغيرها، وتبرك بعضهم بها يمسح بها وجهه ويده، ولو لم يكن في هذا الأمر المفضول إلا ما آل إليه من المبالغة والتظاهر، وكونه أصبح شعارا لبعض أهل الباطل؛ لكان المطلوب الاستغناء عنه بما أرشد إليه صاحب الشريعة، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وقد ألفت في المسألة رسائل، وللمانعين والمجوزين حجج، فمن شاء أن يطلع عليها فليقرأ رسالة المنحة للسيوطي، وليقرأ ما في التحفة للمباركفوري، وما قلته هو ما اطمأنت إليه نفسي.
ومما يذكر هنا أن الإمام لا يستمر مستقبلا القبلة إلا بمقدار؛ ما ذكر في حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت:«كان النبي ﷺ إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول: «اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام»، رواه مسلم (٥٩٢)، هذا هو المذهب، ولم يفرقوا بين الصلاة التي يتنفل بعدها والتي لا يتنفل بعدها كما عليه بعض أهل العلم أخذا من حديث جلوسه ﷺ في مصلاه إثر صلاة الصبح وسيأتي، ففي المدونة في باب (ما جاء في التشهد والسلام): «قال مالك في إمام مسجد الجماعة، أو مسجد من مساجد القبائل، قال إذا سلم فليقم، ولا يقعد في الصلوات كلها، قال: وأما إن كان إماما في السفر، أو إماما في فنائه ليس بإمام جماعة فإذا سلم إن شاء تنحى وإن شاء أقام»، وروى ابن