كلام المؤلف الذي تقدم من أول الباب إلى هنا كله شرح لمضمون لا إله إلا الله، فإنه لما كان فيها نفي وإثبات؛ كان الكلام السابق فيما يجب لمولانا سبحانه، وما يستحيل عليه، وفي هذه الفقرة شرع في القسم الثالث، وهو الجائز على الله تعالى، وإرسال الرسل من جملة الجائز في حقه، وإن كان سبحانه قد كتبه على نفسه تفضلا منه على عباده ورحمة لهم، فإنه لم يخلقهم عبثا ولا تركهم سدى.
وقد خلق الله الجن والإنس لتوحيده وعبادته، فاقتضت حكمته وعدله سبحانه أن يرسل إليهم الرسل وأن ينزل عليهم الكتب، لبيان طريق الهدى، من طريق الردى، حتى تقوم بذلك الحجة عليهم، وقد جاء هذا التعليل في آيات عدة، منها قوله تعالى: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء: ١٦٥]، وبين الله تعالى هذه الحجة لو لم يرسل إليهم فقال: ﴿وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (١٣٤)﴾ [طه: ١٣٤]، وأخبر الله تعالى أنه لا يعذب أحدا حتى يبعث الرسل: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: ١٥].، وعن النبي ﷺ قال:«لا أحد أغير من الله، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه المدح من الله ﷿، من أجل ذلك مدح نفسه، ولا أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك بعث النبيين مبشرين ومنذرين»، وفي لفظ: «من أجل ذلك