للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكذلك هو رب أعمالهم، المقدر لحركاتهم، وسكناتهم، وآجالهم، وقد تقدم الحديث عن خلق أفعال العباد، قال تعالى ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [فاطر: ٣].

ومن أجمع الكلمات في هذا المعنى كلمة لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها تتضمن هذا الذي ذكره المؤلف لمن تأملها، إذ إنها تنفي أن يكون الحول، أي التحول إلا بالله، أي إلا وفق علمه وبإرادته، وأن تكون القوة على التحول إلا بإقداره، والتحول يكون حسيا من مكان إلى آخر، كما يكون معنويا من هدى إلى ضلال، ومن صلاح إلى فساد، ومن صحة إلى سقم، وهلم جرا، ولذلك كانت هذه الكلمة كنزا من كنوز الجنة، كما ورد في الصحيح عن أبي موسى ، وكانت غراس الجنة، كما في سنن الترمذي وصححه عن أبي أيوب، وجاء في الحديث الذي رواه الحاكم عن أبي هريرة مرفوعا، وقوى الحافظ إسناده في الفتح: «إذا قال العبد لا حول ولا قوة إلا بالله، قال الله: أسلم عبدي واستسلم»، أي خضع واستسلم لقدري وقضائي.

قال القاضي عبد الوهاب في شرحه لهذه العقيدة: «اعلم أن هذا رد على المعتزلة وغيرهم من المبتدعة في قولهم إنهم مستطيعون لأفعالهم قبل أن يحدثوها، وقادرون على إيجادها قبل إيجادها، ومستغنون عن ربهم في حال اختراعهم لها أن يقدرهم عليها، لأنهم لا حاجة لهم في تلك الحال بل هم مستغنون عنه، وهذا هو الضلال الذي لا شبهة فيه، والله تعالى يقول: ﴿وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ﴾، ويقول: ﴿أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ﴾، وهذا يعم سائر أحوالهم، ويقول: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)﴾، ولم يقل في حال دون حال،،،»، ثم توسع في الرد العقلي على هذه الشبهة .

وفي ذكر المؤلف الآجال رد على من زعم أن القاتل قد قطع على المقتول أجله، والحق أن الله تعالى هو المقدر لآجال كل شيء، لا يموت مخلوق من مخلوقاته حتى يستوفي أجله، كيفما كان سبب الموت، قال سبحانه: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ﴾ [الأنعام: ٢]، وقال سبحانه: ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [الأعراف: ٣٤].

<<  <  ج: ص:  >  >>