٥٨ - «وله أخذ الشاة وأكلها إن كانت بفيفاء لا عمارة فيها».
أخذ هذا من قوله ﷺ في حديث زيد بن خالد المتقدم:«هي لك أو لأخيك أو للذئب»، ويحتمل أن المراد بقوله «أو لأخيك» أعم من أن يكون صاحبها أو ملتقطا آخر، والأقوى أن يكون المراد صاحبها، لأن المخاطب ملتقط، فكل ملتقط فهو مثله، وقول مالك في الشاة هو أنه إن أخذها من مكان لا عمران فيه وأكلها فلا ضمان عليه إن جاء ربها، لأن الحديث حصر أحوالها في أن يأكلها الذئب أو يأخذها الملتقط، وقال هي لك فجعلها ملكا له أو للذئب، ولا ضمان على الذئب فكذلك من ذكر معه، وقد انفرد مالك ﵀ بذلك، ولا دلالة فيه على عدم ضمانها لصاحبها، لأنه إذا لم يستفد ذلك من قوله ﷺ:«فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها»، فلأن لا يستفاد الحكم من ذلك الاقتران أولى، وإنما المراد أن عدم التقاطها يعرضها للضياع، ومما يدل على أنها باقية على ملك صاحبها أنه لو جاء قبل أن يأكلها الملتقط لكان اللازم تسليمها له، وقد ذهب إلى هذا من قال بتملكها بالالتقاط وغيرُه، وقيد أهل المذهب عدم الضمان بما إذا لم يصل بها إلى العمران فإن استهلكها فيه ضمن لأنها لا تضيع فيه.
ولم يتكلم المؤلف على غلة اللقطة كاللبن والجبن والسمن وغير ذلك من أوجه الانتفاع والريع، وهي في مدة التعريف للملتقط، ولو زادت على مقدار قيامه على اللقطة بما يلزمها من الإنفاق، وقيل له ما يقابل قيامه عليها، والزائد في ذمته، لكن الصوف والنسل وما زاد من كرائها على علفها فهو لربها، فإن لم تكن لها غلة وقد أنفق عليها فله مطالبة صاحبها بذلك فيعطيه نفقتها ويأخذها وله أن يسلمها له في ذلك ولو كانت النفقة أكثر من قيمتها لأن ربها لا يلزمه ما زاد على ذلك، ولو ظهر على ربها دين قدمت عليه نفقة الملتقط كما في الرهن، وقد روى ابن أبي شيبة حدثنا الأحوص عن أبي إسحاق عن العالية قالت: كنت جالسة عند عائشة فأتتها امرأة فقالت: يا أم المؤمنين إني وجدت شاة ضالة فكيف تأمريني أن أصنع بها؟، فقالت: عرفي واعلفي واحلبي».