ولعل المراد من الصداق في الأصل التفريق بين المخادنة المحرمة، والزواج المباح الذي تكون به المرأة خاصة بزوج واحد، ومن ذلك أن الزوج يبرهن أنه قادر على الإنفاق على زوجته، وتسمية الله تعالى له أجرا في أكثر من آية لا يدل على خلاف ما قلنا، فإنه سبحانه سماه أيضا بغير ذلك الاسم، كالنحلة والصدقة وهي من الصدق، على أن الأجر في العربية لا يقع دائما في مقابل منفعة تلحق معطي الأجر كما لا يخفى، ومعنى الأجر في النكاح كما قال الراغب في مفردات القرآن أنه كناية عن المهر، ويذكر هنا ما قاله ابن المنير ونقله الحافظ في الفتح في كتاب النفقات الباب الأول:«تسمية النفقة صدقة؛ من جنس تسمية الصداق نحلة، فلما كان احتياج المرأة إلى الرجل؛ كاحتياجه إليها؛ في اللذة، والتأنيس، والتحصن، وطلب الولد؛ كان الأصل أن لا يجب لها عليه شيء، إلا أن الله خص الرجل بالفضل على المرأة بالقيام عليها، ورفعه عليها بذلك درجة، فمن ثم جاء إطلاق النحلة على الصداق، والصدقة على النفقة»، انتهى، والعلم عند الله.
والصداق عند أهل المذهب فيه جانبان تعبدي هو حق الله تعالى، وهو أقل ما يجزئ فيه، فلا يجوز التنازل عنه من المرأة، وما زاد على ذلك؛ ترك لطرفي النكاح يتفقان عليه، ولهذا كان له في المذهب حد أدنى، وهو ربع دينار ذهبي، وهو ٠٦، ١ غ، أو ثلاثة دراهم من الفضة، أي ٩ غ تقريبا، أو قيمة كل منهما من العملات، أو ما يعادلها من العروض، ويشترط فيه ما يشترط في الثمن من الطهارة والانتفاع والقدرة على التسليم، وهذا وجه قول خليل:«الصداق كالثمن»، ولا حد لأكثره لقول الله تعالى: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (٢٠)﴾ [النساء: ٢٠]، وإن كان التغالي في المهور مكروها عند الإمام وغيره، لما ورد من امتداح المرأة القليلة المهر، وما قاله بعض أهل العلم ومنهم الشبخ مشهور بن حسن سدده الله من أن المرأة إذا خطبها من ترضى أمانته ودينه وأصدقها مهر مثيلاتها يلزمها القبول اعتمادا على حديث:«إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض»، رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم عن أبي هريرة، وهو في الصحيحة برقم (١٠٢٢)، قلت الاستدلال بالحديث على ما ذكر ليس بالبين، والله أعلم.