١٠٧ - «وعلى القاذف الحر الحد ثمانون، وعلى العبد أربعون في القذف وخمسون في الزنا، والكافر يحد في القذف ثمانين».
القذف في اللغة هو الرمي، ويستعمل مجازا في الرمي بالمكاره، ويسمى فرية، وهو من الكبائر، وقد ذكره رسول الله ﷺ في جملة الموبقات السبع إذ قال:«وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات»، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٢٣)﴾ [النور: ٢٣]، وإنما شرع هذا الحد لحماية الأعراض، لكن بقيد التهمة بالزنا، أو بنفي النسب، تصريحا أو تلويحا، أما القذف بغير ذلك فهو محرم لعموم تحريم الأعراض، وليس فيه غير التعزير، وقد شرع الله حدّ القذف عقب ما رُمِيَتْ به أم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها-، قال سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً (٤)﴾ [النور: ٤]، ومن وقع في عرض أم المؤمنين فهو كافر لتكذيبه ما جاء في كتاب الله من تبرئتها، وقد تقدم في حد الردة، والمحصنات في الآية هن العفيفات، ولا مفهوم للتأنيث فإن قذف الذكور مثل قذف الإناث، والمقصود أن القاذف يجلد ثمانين جلدة إن كان حرا، ونصف العدد إن كان مملوكا قياسا على تنصيف الحد على الأَمَةِ في الزنا، والعبد مقيس عليها بعدم الفارق، وقد روى مالك (١٥٠٩) عن أبي الزناد أنه قال: جلد عمر بن العزيز عبدا في فرية ثمانين قال أبو الزناد: فسألت عبد الله بن عامر بن ربيعة عن ذلك فقال: أدركت عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، والخلفاء هلم جرا، فما رأيت أحدا جلد عبدا في فرية أكثر من أربعين»، انتهى.
الكلام هنا على ثلاثة أمور: القاذف والمقذوف وما يقذف به.
وإنما يحد القاذف إذا كان مكلفا أعني بالغا عاقلا، ولو سكر سكرا حراما، فإن الجنايات تلزمه في المذهب، ولا فرق بين المسلم والكافر الذمي، وكذلك الحربي في بلاد