وقد رأوا أن أقرب ما يمكن اعتماده في بيان حده الأدنى مما له به شبه؛ هو نصاب القطع في السرقة، وهذا مع ما فيه من الشناعة؛ فقد وقع في مقابل النص، فيكون فاسد الاعتبار، والمقيس عليه؛ هو نصاب القطع في السرقة، وهو ربع دينار، بجامع استباحة العضو المحرم!!، قال مالك في الموطإ:«لا أرى أن تنكح المرأة بأقل من ربع دينار، وذلك أدنى ما يجب فيه القطع»، مع أنه ﵀ قد روى في موطئه حديث سهل بن سعد الساعدي في الواهبة نفسها، وفيه قول النبي ﷺ لمن أراد تزوجها:«التمس ولو خاتما من حديد»، ولهم في الجواب عنه آراء هجرانها أولى.
قال الحافظ في الفتح (٩/ ٢٦٢): «وقد ضعف جماعة من المالكية هذا القياس، فقال أبو الحسن اللخمي: قياس قدر الصداق بنصاب السرقة؛ ليس بالبين، لأن اليد إنما قطعت في ربع دينار نكالا للمعصية، والنكاح مستباح بوجه جائز، ونحوه لعبد الله بن الفخار منهم، ثم قال الحافظ: «نعم قوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا﴾، يدل على أن صداق الحرة؛ لا بد أن يكون ما ينطلق عليه اسم مال له قدر، يحصل الفرق بينه وبين مهر الأمة»، انتهى، قال كاتبه: هو دال على ارتفاع مهر الحرة على الأمة بحسب الواقع، وليس بحسب الشرع، فلا يتم المراد، ولأن أهل المذهب لم يفرقوا في أقل الصداق بين الحرة والأمة، ولأنه لا خلاف أن الصداق إنما يتحدد باتفاق الطرفين، فإذا طلب من الزوج ما لا يقدر عليه؛ كان غير مستطيع، ثم وجدت صاحب الاستذكار قد أشار إلى بعض ما قلت، وكما أنه لا حجة في هذه الآية، فلا حجة في قوله سبحانه: ﴿أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ﴾، فالصواب إن شاء الله: ترك التحديد، وهو قول ابن وهب ﵀ انفرد به من بين أصحاب مالك، قاله في الاستذكار (٥/ ٤١٠)، إذ يرى جواز النكاح على الدرهم والنعل والسوط، وهو في شرح أبي الحسن (٢/ ٣٠٣) بالنقل عن اللخمي، وعدم التحديد هو قول أكثر علماء المدينة كسعيد بن المسيب وابن شهاب ورييعة شيخي مالك، قاله ابن عبد البر في الكافي، وقد قال الدراوردي لمالك رحمهما الله حين سمعه يذكر هذا القياس:«تعرقت يا أبا عبد الرحمن»، يعني اتبعت القياس كأهل العراق.
قلت: ولو كان هذا القياس صحيحا ما كان فيه بأس، فإن القياس لا يختص به أهل العراق، وإن كانوا قد أكثروا منه.