للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيخرج من مخالفة النهي بعدم استثنائه، وليس المراد أنه ينفعه في الحلف بعد تلك المدة

وقوله: «وإياه أستخير»، بين بهذا أن الاستخارة لا تكون إلا من الله، فإنه سبحانه هو وحده الذي يعلم عواقب الأمور ومآلاتها، ولهذا قدم المعمول على العامل في كل من الاستخارة والاستعانة.

والاستخارة طلب الخيرة في الأمور المباحة بطريق مخصوص، وكلام المؤلف لا يعتبر بذاته استخارة، وإن كان الدعاء بذلك مشروعا، يقال استخر الله يخر لك، أي يعطك ما هو خير لك، والمراد هنا يدلك عليه، قال تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ [القصص: ٦٨].

أما الاستخارة التي هي العبادة الخاصة، لا مطلق الدعاء؛ قد صح الحديث فيها عن جابر قال: كان النبي يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم يقول: «اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي، وعاقبة أمري؛ فاقدره لي، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري؛ فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به، ويسمي حاجته» (١).

وقول جابر : «في الأمور كلها»، يعني مما هو صالح للاستخارة، فيكون من العام الذي أريد به الخاص، فإن الواجب والمحرم والمكروه والمستحب لا استخارة في واحد منها، لأن ما أوجبه الله أو ندب إليه فيه مصلحة للخلق، فهو مما اختاره الله شرعا ليفعل، وما نهى عنه فقد اختار لعبده شرعا أن لا يفعله، ويمكن أن يكون المستحب المخير بين أفراده وكذلك الواجب محلا للاستخارة، والله أعلم.

ومما يقضى منه العجب ان يسألك عن دعاء الاستخارة من لا يصلي يريد بها أن يصل بها إلى مصلحته الدنيوية كما يراها، مع أن الاستخارة شأنها عظيم وفيها تمام التسليم


(١) رواه البخاري (١١٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>