لما كان الاعتكاف طاعة؛ كان مستحبا، لأن الاستحباب أدنى درجاتها، وهو مشهور المذهب، وإنما يجب على من نذره، أو شرع فيه، فإنه من النوافل التي تجب بالشروع، وقيل إنه سنة، وهذا أقوى؛ لأن النبي ﷺ فعله، وأظهره، وواظب عليه، وقضاه بعد أن تركه لمانع، فاجتمعت فيه هذه الأمور الأربعة، وقيل مكروه وهذا شنيع، إلا إذا قيد بالمنذور منه ممن يخشى أن لا يفي به، ولعل قائله أخذه من قول مالك، الذي رواه عنه ابن نافع وهو في النوادر والزيادات (٢/ ٨٩) قال: «ما زلت أفكر في ترك الصحابة الاعتكاف، وقد اعتكف النبي ﷺ حتى قبضه الله سبحانه، وهم أتبع الناس لأموره وآثاره، حتى أخذ بنفسي أنه كالوصال التي نهى عنه النبي ﷺ، فقيل له: إنك تواصل، فقال: إني لست كهيئة أحدكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني، وليس الاعتكاف بحرام، وأراهم تركوه لشدته، وأن ليله ونهاره سواء، قال: ولم أر من أدركت ممن اعتكف؛ إلا أبا بكر بن عبد الرحمن»، انتهى، قال كاتبه: أبو بكر هذا هو أحد الفقهاء السبعة الذين كانوا بالمدينة.
وقد ذكر اعتكافه في موطئه (٦٩٦)(خروج المعتكف للعيد)، قال الحافظ يعلق على قول مالك السابق:«كأنه أراد صفة مخصوصة»، انتهى، يعني كالاعتكاف الذي تطول مدته.
قال ابن العربي في العارضة (٤/ ٢): «،،، هو سنة وليس ببدعة، ولا يقال فيه مباح، فإنه جهل من أصحابنا الذين يقولون في كتبهم الاعتكاف جائز، وإنما حملهم على ذلك لما رأوا النبي ﵇ نهى عن التبتل وندب إلى النكاح؛ ألحقوا به الاعتكاف، وزعموا أنه مستثنى منه، ونحن لاننازعهم في هذا الأصل الذي لم يفهموه، ولكنا نقول إنه لما استثني كان سنة … »، قلت: لعل هذا من اصطلاحهم في إطلاق لفظ الجائز والمرد منه ما يشمل الواجب والمستحب والمكروه، فيكون المراد الاستحباب، والله أعلم.