١٦ - «قال معاذ بن جبل ما عمل آدمي عملا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله، وقال عمر: «أَفْضَلُ مِنْ ذِكْرِ اللهِ باللسان، ذِكْرُ اللهِ عند أمره ونهيه».
الذِّكْرُ هو حصول الشيء في القلب بعد زواله، وزوال الذكر بعد الحضور يسمى نسيانا، قاله ابن باديس ﵀ في مجالس التذكير، والذكر أنواع: ذكر بالقلب، وهذا هو أصله، فإن انضم إليه قول أو فعل حتى حصل التواطؤ فذلك أعلاه، وإن انفرد أحدهما فذكر القلب أنفع للمرء، لكن ما الحيلة إذا كان أمرا معينا من الشارع لعبادة مخصوصة فلا مناص منه، وما ذا يفعل لمن نطق فحضر شبحه، وغاب روحه؟، والثالث الذكر بفعل الطاعة وترك المعصية قصدا وإرادة، وهو الذكر بالجوارح، ثم إن الذكر بالقلب درجات: منها التفكر في آيات الله المرئية في خلق الله وبديع صنعه وعظيم إتقانه، وفي إنعامه على خلقه وإحسانه، والتفكر في آياته المتلوة وتدبر معانيها واكتناه أسرارها وحكمها واستنباط أحكامها وتشريعها، فهذا كله تفكير وتذكير وإن اختلفت درجاته والمثوبة عليه.
وقول معاذ يحمل على الإكثار من الذكر باللسان الذي هو نافلة بعد أداء الفريضة منه ومن غيره، فيكون لسان المرء رطبا بذكر الله، وذلك لسهولة المداومة عليه، مع عظم أجره، فتزداد به حسنات المرء، ويطمئن به قلبه، فإن القلوب إنما تطمئن بذكر الله: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨)﴾ [الرعد: ٢٨]، ويتسبب عن ذلك وجود الذاكر حلاوة العبادة، فيخشع فيها ويخضع، فتحصل له مراقبة الله في سائر أوقاته إذا عبده كأنه يراه، ويقل اشتغاله بما لا يعنيه من فضول الكلام فضلا عما فيه ضرره، فكان الذكر بهذا المعنى أنجى له من عذاب الله أكثر من غيره من الأعمال التي يفعل صورتها ويغفل عن معناها.
وقال النبي ﷺ:«ليس أحد أفضل عند الله من مؤمن يُعَمِّرُ في الإسلام؛ لتكبيره وتحميده وتسبيحه وتهليله»، رواه أحمد عن طلحة، وعن عبد الله بن خُبيب مرفوعا:«من ضنّ بالمال أن ينفقه، وبالليل ان يكابده، فعليه بسبحان الله وبحمده» وهو في صحيح الجامع للألباني ﵀.