عمدة من منع الصائم من الحجامة؛ قول النبي ﷺ:«أفطر الحاجم والمحجوم»، جاء من حديث ثوبان، وشداد بن أوس، ورافع بن خديج، وأبي هريرة، وعائشة، وأسامة بن زيد (د/ ٢٣٦٧)، وقال السيوطي: متواتر، لكن روى البخاري وغيره عن ابن عباس أن النبي ﷺ احتجم وهو صائم»، وورد أنه ﷺ نهى عن المواصلة والحجامة ولم يحرمهما، والنظر في مجموع الأدلة الواردة؛ يدل على واحد من أمرين: إما نسخ هذا الحديث إن كان المراد بما فيه الإخبار عن حكم شرعي، وإما أنه مؤول بإحدى التأويلات التي ذكرها أهل العلم، فيصرف بذلك عن ظاهره، وأمثل هذه التأويلات ما في الحجامة للصائم من التغرير إذ قد يضعف فيفطر، وما فيها للحاجم من الذريعة إذ يوشك أن يمتص شيئا من الدم فيفطر، فجاء التعبير عن المحتمل بالواقع، وقد ثبت أن النبي ﷺ احتجم وهو صائم، وورد أنه ﷺ أرخص في الحجامة للصائم، رواه النسائي عن أبي سعيد.
وثبت الاحتجام حال الصيام عن ابن عمر وهو في الموطإ، وذكر البخاري جماعة ممن ثبت عنهم في صحيحه، والاحتجام يختلف عن التبرع بالدم في زماننا للفرق بينهما في الكمية المأخوذة، ولذلك لا يصح قياس هذا على هذا، ولو قدرنا أن مريضا توقفت سلامته على الدم المتبرع به مع عدم إمكان تأجيل ذلك؛ لكان سائغا لمن عنده فصيلته أن يتطوع بمده بالدم، ويفطر لما يلحقه من ضعف، ويقضي، والله أعلم.