٧٢ - «وهذا كله في الفرائض وأما النوافل ففي البيوت أفضل»
دلّ على أفضلية التنفل في البيوت غالب فعل النبي ﷺ، لا سيما والصلاة في مسجده بألف صلاة، فكيف يترك هذا الفضل العظيم، ومما جاء في ذلك قوله ﷺ:«اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبورا»، رواه أحمد والشيخان وأبو داود عن ابن عمر، وقوله:«يا أيها الناس ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أن ستكتب عليكم، فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة»، وهو في الصحيحين وغيرهما عن زيد بن ثابت، واللفظ لأبي داود، وجاء في تعليل الصلاة في البيوت قوله:«فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيرًا». ولا يستثنى من ذلك إلا ما قام الدليل عليه بخصوصه كصلاة الاستسقاء والكسوف والعيدين، ولا يظهر أن صلاة التراويح مثل المذكورات لكوتها سبب ورود الحديث السابق، والسبب داخل دخولا أوليا في العموم بخلاف المذكورة فإنها ثابتة من فعله، أما قول النبي ﷺ:«إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة»، رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح، فلا يدل على خلاف ما سبق، إذ الغرض منه بمعية سياقه الاكتفاء بما صلاه الإمام، وبيان كونه يحصل به هذا الأجر، لأنه جاء جوابا على طلبهم زيادة الصلاة، ثم إنه جاء في صلاة التراويح أيضا كالسابق، وهو بعد كقوله في حديث أبي سعيد الخدري لأحد الرجلين اللذين لم يجدا الماء فتيمما وصليا ثم وجداه فقال له:«لك الأجر مرتين»، وقال للذي لم يعد:«أصبت السنة»، فهل الذي أصاب السنة يقل أجره عمن اجتهد فأخطأها؟، وقوله:«من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر»، في مقابل قول الله تعالى في الحديث القدسي الصحيح:«وما تقرب إلي عبدي بأحب إلي مما افترضت عليه»، ولا شك أن من اشتغل بقضاء المفروض خير ممن تنفل، وقوله ﷺ:«الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة»، في مقابل قوله:«والذي يقرأه ويتعتع به له أجران»، وهذا نظير ما تقدم، ومثله قول النبي:«ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين … » الحديث، ولكننا مغرمون بالأعداد والحساب، والله يعطي من يشاء بغير حساب، فالصحيح ما عليه مالك من أن فعل صلاة التراويح في البيوت أفضل بالقيود التي ذكرها أهل مذهبه.