٥٧ - «وتُقْتَلُ المرأة بالرجل والرجل بها، ويُقْتَصُّ لبعضهم من بعض في الجراح».
أي أن المرأة الحرة أو المملوكة تُقْتَلُ بالرجل الحر، كما يُقْتَلُ الرجل الحر أو المملوك بالمرأة الحرة، فإن قلت فما القول فيما دل عليه قول الله: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾، من أخذ النفس بالنفس؟، قيل هو مخصوص بما سيذكر بعد من السُّنَّةِ التي جعلها الله مبينة لكتابه، وهكذا قول الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى﴾، فإن المراد منه إبطال ما كان عليه العرب من مجاوزة القصاص الذي هو قتل القاتل إلى التكايل في الدماء كما كانوا يسمونه، فيقتلون بالواحد العدد الكثير، ويقتلون غير القاتل كالمُعَظَّمِ في القبيلة، وإن لم يكن هو القاتل، فمفهوم الآية غير مراد لما في السُّنَّةِ من البيان، وقد قالت امرأة من العرب تذكر إبطال الإسلام التكايل في الدماء:
أما في بني حصن من ابن كريهة … من القوم طلاب الترات غَشَمشَم؟
فَيَقتل جبرا بامرئ لم يكن له … كفاء ولكن لا تَكايل في الدم
الترات جمع ترة بكسر التاء هي الثأر، والغشمشم هو الجريء، أقرت المسكينة ببطلان التكايل في الدماء، لكنها ندبت قومها إلى قتل القاتل وهو المسمى جبرا، وإن لم يكن كفؤا لمن قتله حسب زعمها، لبقية الجاهلية التي فيها، وعليه فلا دلالة في الآية على عدم قتل الأنثى بالذكر أو العكس اعتمادا على المفهوم لأنه مفهوم لقب، مع أنه قد جاء ما هو نص فيقدم عليه، وهو قول رسول الله ﷺ:«المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم»، رواه أحمد وأبو داود والنسائي عن علي ﵁.
فإن قلت: فلم لا يقتل الحر بالعبد ويقتل الحر به كما قرره المؤلف في قوله: