للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكمها، والراجح في المذهب أنها مندوبة، والفرق بينهما أن الأولى فعلها النبي في جماعة، وإذا لم يصلها أكثر من مرة على أحد القولين؛ فلأن موجبها لم يتكرر، أما الثانية فلم يصلها في جماعة، وسيأتي ما فيه.

أما أنها تصلى في المسجد؛ فقد علل بعضهم ذلك بخشية فوات وقتها المقدر بوقت غياب ضوء الشمس كلا أو بعضا، وهذا فيه نظر، فإن النبي لم يصلها قط خارج المسجد، كما ذكره ابن عبد البر ، وهو يرد على من زعم أن تكرير الركوع ليس مشروعا، وإنما كان النبي يراقب الشمس، فظن الراوي أنه يركع.

وقد أثبت العلم في هذا العصر ما يلحق بصر الناظر إلى الشمس إذا حدق ببصره نحوها، وذلك لأنه لا يتيسر له النظر إليها إلا حال الكسوف لقلة ضوئها، فلعل اشتراع أدائها في المسجد بدل الصحراء كما هو الشأن في صلاة الاستسقاء والعيدين إنما كان لهذا المعنى، ويكفي المسلمين أن نبيهم أمرهم إذا رأوا ذلك أن يفزعوا إلى المساجد، فإذا جاء من العلم الحديث ما يدل على ما ذكر؛ فلا جديد عندنا نحن المسلمين، فإننا جازمون أن لا بد من حكمة فيما شرع الله ورسوله، علمنا ذلك أو جهلناه، وربنا حين وعد - ووعده الحق - بأن يري خلقه آياته في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق؛ أخبر مع ذلك بما يكتفي به عباده المؤمنون به دون حاجتهم إلى سواه، وهو كونه سبحانه عالما بكل شيء، شهيد على كل شيء وليست المخلوقات عند الله كما هو الأمر عندنا قسمان غائب وحاضر، بل الجميع في علمه سواء، قال سبحانه: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣)[فُصِّلَت: ٥٣].

ولذلك أيضا طولت الصلاة على خلاف المعتاد، حتى تستغرق وقت الكسوف الذي ربما تجاوز الساعة، فكان في كل ركعة ركوعان، وورد أكثر من ذلك، ولعل الحكمة من كون هذه الصلاة فيها قيامان وركوعان أو أكثر من ذلك على ما في بعض الروايات، أن يتاح للمصلي تغيير وضعه، حتى لا يثقل عليه البقاء على هيئة واحدة، فيكون في تغييرها راحة له.

وقد اختلف فيما لو انجلت الشمس بعد شطر الصلاة الأول، فقيل يتمها على

<<  <  ج: ص:  >  >>