يقال عانقه إذا جعل يديه على عنقه وضمه إلى نفسه، هكذا في لسان العرب، أما قول الشراح المعانقة وضع المرء عنقه على عنق الآخر فليس بجيد، ولعل المقصود مجرد المحاذاة، أما كراهة مالك ذلك فإما لأن أحاديثها لم تبلغه، أو لكونها لم تكن معروفة في بلده، ولعل المؤلف إنما ذكر إجازة ابن عيينة لها على خلاف معتاده ليرجح ما كان يراه من جوازها، وقد قالوا مثل ذلك في صنيع سحنون بالمدونة حيث يورد الآثار التي فيها خلاف ما يأثره من قول مالك وبعض أتباعه، وقد تداول الشراح قصة جرت لمالك مع سفيان بن عيينة، وفيها أن سفيان دخل على مالك فصافحه، وقال: يا أبا محمد لولا أنها بدعة لعانقتك، فقال سفيان:«عانق من هو خير مني ومنك، وهو النبي ﷺ، فإنه عانق جعفرا حين قدم من أرض الحبشة، فقال مالك: «ذلك خاص به»، فقال سفيان:«بل عام ما يخص جعفرا يخصنا، وما يعمه يعمنا إن كنا صالحين، فأذن لي أن أحدث في مجلسك»؟، فقال:«نعم يا أبا محمد»، فحدث ابن عيينة بالحديث الذي جعله عمدته فيما ذهب إليه، وقد قال الذهبي في الميزان: هذه حكاية باطلة، وسندها مظلم، وبَيَّنَ الحافظ وجه ذلك في الفتح، وكذا الغماري في مسالك الدلالة، وذكر أن مذهب ابن عيينة بخلاف ما نقل فيها، وقد روى الترمذي وابن ماجة عن أنس بن مالك قال:«قال رجل يا رسول الله أحدنا يلقى صديقه أينحني له»؟، قال:«لا»، قال:«فيلتزمه ويقبله»؟، قال:«لا»، قال:«فيصافحه»؟، قال:«نعم إن شاء»، وفيه كما ترى منع الانحناء وهو من أعمال الكفار، وقد أخذ به بعض المسلمين وقلدوهم فيه فأدخلوه في رسوم بعض الألعاب، ولو كان الذين يحضرون إعداد قوانين هذه الرسوم والمواضعات عارفين بدينهم ما قبلوا غير الأمور التي يشترك في تصويبها الجميع، لكنه الجهل، ومن العجب أن يقول بعض الشراح إذا كان الانحناء يسيرا فلا بأس به، وفي الحديث منع الالتزام أي المعانقة ومنع التقبيل.