لَمَّا بَيَّنَ مقدار الدية وتنجيمها ذكر هنا مصرفها وهو جميع الورثة غير القاتل كما سيأتي، وإنما نص على هذا لأن الميراث في الأصل إنما يجري فيما كان في ملك المرء قبل موته، كالدَّيْنِ ومؤخر الجرايات والرواتب، أما الدية فإنها مسببة عن الموت، وكونها موروثة على الفرائض يناسب اشتراك الوارثين في دم الميت، وهي تعم دية الخطإ ودية العمد، يأخذ كل وارث من الرجال والنساء نصيبه منها إلا القاتل، وسيأتي دليل استثنائه، ومن الأدلة على ذلك ما رواه مالك (١٥٧٩) عن ابن شهاب أن عمر بن الخطاب نشد الناس بمنى: من كان عنده علم من الدية أن يخبرني، فقام الضحاك بن سفيان الكلابي فقال: كتب إلي رسول الله ﷺ أن أورث امراة أشيم الضبابي من دية زوجها فقال عمر بن الخطاب: ادخل الخباء حتى آتيك، فلما نزل عمر بن الخطاب أخبره الضحاك، فقضى بذلك عمر بن الخطاب، قال ابن شهاب: وكان قتل أشيم خطأ»، انتهى، وقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب كان يقول:«الدية للعاقلة ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئا»، حتى كتب إليه الضحاك بن سفيان: أن النبي ﷺ ورث امراة أشيم الضبابي من دية زوجها»، قال الألباني في الإرواء (ح/ ٢٦٤٩) عن حديث مالك هو منقطع، وقال عن الذي يليه:«إنه مرسل، لأن سعيد بن المسيب في سماعه من عمر خلاف»، انتهى.
قلت: لعله لذلك جاء فيه الخطأ الذي بينه ابن عبد البر في الاستذكار حيث قال: «أخطأ من قال عن ابن عيينة في هذا الحديث: «حتى كتب إليه الضحاك بن سفيان الكلابي»، فجعل الضحاك هو الذي كتب إلى عمر، وَوَهِمَ وَهْمًا بَيِّنًا، لأن عمر شافهه الضحاك بذلك في بيته، أو في خبائه بمنى، انتهى.