الشيخان، على أن الجمع بين المتعارضين ظاهرا هو المقدم، وهو اعتبار الواو في قول عائشة «وصلاة العصر»؛ زائدة، وقد ذكر أهل العلم أمثلة كثيرة لزيادتها أي كونها صلة من القرآن، ومن كلام العرب، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (٧٥)﴾ [الأنعام: ٧٥]، وقوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (٥٥)﴾ [الأنعام: ٥٥]، على أحد القولين.
ومن الآيات التي ذكر فيها الأوقات قول الله تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (٧٨)﴾ [الإسراء: ٧٨]، ودلوك الشمس ميلها، وهو عن ابن عمر في الموطإ (١٨)، ونحوه قول ابن عباس:«دلوك الشمس إذا فاء الفيء»، وقيل دلوكها غروبها، فعلى الأول تكون الآية قد نصت على أوقات الصلوات كلها، لأن الزوال أول الميل، والغروب نهايته، وغسق الليل اشتداد ظلمة الليل، وهو وقت العشاء.
وفي العتبية قال مالك: «فرض الله الصلوات في كتابه، فقال تعالى: ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (١٧) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (١٨)﴾ [الروم: ١٧ - ١٨]، ﴿تُمْسُونَ﴾؛ المغرب والعشاء، و ﴿تُصْبِحُونَ﴾؛ الصبح، ﴿وَعَشِيًّا﴾؛ العصر، و ﴿تُظْهِرُونَ﴾؛ الظهر، انتهى بمعناه، وهو في النوادر.
وقد جعل الله تعالى لأوقات الصلوات بداية ونهاية، وكلها مرتبطة بالشمس: إما باختفاء جرمها كما في المغرب، أو بانقضاء نصف مدة ظهورها في النهار، وذلك وقت الظهر، وإما بظهور أثرها قبل إشراقها، وهو وقت الصبح، أو باختفاء اثرها بعد غروبها وهو العشاء، فأول وقت الصبح بداية ظهور ضوئها، وهو انصداع الفجر الصادق، ونهاية وقته طلوع الشمس، وفي النهار صلاتان وقتهما محدد بالظل، فإن الشمس إذا طلعت يكون ظل الأشياء أطول ما يكون، ثم يأخذ في النقصان بارتفاع الشمس حتى يبلغ أدناه، فذلك منتصف النهار، فإذا شرع الظل في الزيادة؛ فذلك هو الزوال، وهو بداية وقت صلاة الظهر، وطول ظل الأشياء عند الزوال؛ يسمى ظل الزوال، وسماه المؤلف ظل منتصف النهار، وهو يختلف باختلاف الفصول ومواقع البلدان، وربما انعدم في بعض أيام العام في بعض