بعضهم الإجماع على منع النسيئة هنا، وهذا النقل مما يقضى منه العجب، وقد صدر بالمنع قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في عام (١٤٠٣ هـ)، وقد كتبت في ذلك رسالة ذكرتها من قبل هذا، بينت فيها ما تمسك به المانعون من بيع النقدين بالعملات نسيئة، وما يرد عليهم في ذلك، وخلاصة ما فيها ترجيح كون العلة في النقدين هي الثمنية، وهي وإن كانت علة قاصرة يومئذ فإن الجمهور يعللون بها لتقوية الحكم الثابت بالنص، قال في المراقي:
وعللوا بما خلت من تعدية … ليعلم امتناعه والتقوية
وبينت فيها أن الثمنية في الذهب والفضة ليست توقيفية كما ذهب إليه بعضهم تصريحا، وكما يفهم من تصرفات كثير منهم وفتاويه تلويحا، ومن غير المقبول أن يذكر بعضهم الإجماع على هذا التوقيف، وهو وهم نشأ من عدم التفريق بين الإجماع على مشروعية التعامل بذينك النقدين، وهذا الإجماع المدعى على التوقيف، والصواب أنه ليس للشارع غرض في الذي يعتمده الناس أثمانا للأشياء، وما أفقه مالكا ﵀ إذ قال وقد ذكرته من قبل:«ولو أن الناس أجازوا بينهم الجلود حتى تكون لها سكة وعين لكرهتها أن تباع بالذهب والوَرِق نَظِرَةً»، انتهى، ولا يسوغ أن يقال إن مالكا منع من بيع الجلود نَظِرَة بالذهب والفضة لو اعتمدت سكة فكذلك بيع الذهب والفضة بالعملات، لأنا نقول ينبغي أخذ كلام الإمام بحاله، وهو أن الذهب والفضة كانا مسكوكين وهما أثمان للأشياء حين قال ما قال.
وذكرت أن الثمنية قد زايلت الذهب والفضة كما هو واقع الحال وبشهادة علماء المال والاقتصاد، فلم يعد الذهب والفضة يُسكان، ولا بقي للعملات المعاصرة الذي كان لها من قبل، وهو كونها سندات بذهب أو فضة تقدم للبنوك فيأخذ مالكها ما هي سند به، بل ولا تعتمد الدول الآن في كمية الكتلة النقدية التي تصدرها على رصيد الذهب والفضة الذي تملكه، لقد غدا يعتمد على قوة اقتصادها وميزان تجارتها واستقرارها السياسي.
وبناء على ما تقدم فإن من علل بالثمنية لا يصح منه المنع من ذلك التأجيل، لانتقال الثمنية عن الذهب والفضة إلى العملات، فغدت بديلا عنهما، ولا يجمع بين البدل