٥٩ - «ومن استهلك عرضا فعليه قيمته، وكل ما يوزن أو يكال فعليه مثله».
هذا حكم عام يشمل من استهلك وديعة أو لقطة أو رهنا أو مغصوبا أو مسروقا أو مبيعا على الخيار، أو أتلف مال غيره خطأ أو عمدا، مع مراعاة القيود التي لا بد من وجودها لضمان ما ذكر وغيره، ولو كان المتلف صبيا أو مجنونا، لأن ضمانه من خطاب الوضع لا من خطاب التكليف، والأول أعم من الثاني، ويُضمن المثلي بمثله كالقمح والشعير، والقيمي بقيمته كالحيوان والدور يوم التعدي، فأما ضمان المثلي بمثله فواضح لأن به تبرأ الذمة، ولقول الله نعال: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ (١٢٦)﴾ [النحل: ١٢٦]، وأما ضمان القيمي بقيمته فلأن إيجاب رد مثله لا يتأتى لاختلاف أفراد الجنس الواحد في القيمة، بل قد تتحد القيمة في حال، وتختلف في حال، كمن أتلف ثلاجة فإنها إن كانت جديدة فقد يجد مثلها، لكنها إن كانت مستخدمة فإن إيجاب مثلها جديدا فيه ظلم للضامن، وإيجابُ مثلها مستعملا فيه عسر، وقد لا يتأتى، فقول المؤلف:«ومن استهلك عرضا فعليه قيمته»، هذا إذا كان العرض ليس مثليا، يدل عليه قوله عن المكيل والموزون «فعليه مثله»، ومن المكيل اللبن والزيت والقمح، ومن الموزون الذهب والفضة غير المصوغين، ويدخل في المثلي المعدود الذي لا تختلف أفراده كالبيض والجوز، ولعل منه سائر السلع التي من جنس واحد مع اتحاد نماذجها، فالحاصل أنه مهما تأتى رد المثل فهذا هو المطلوب، فإن تعذر فالقيمة، قال ابن عبد البر في الاستذكار (٧/ ١٤٨): «أجمع العلماء لا خلاف بينهم فيما علمت أن من استهلك ذهبا أو وَرِقًا، أو طعاما مكيلا أو موزونا أنه عليه مثل ما استهلك من صنفه بوزنه وكيله على ظاهر قول الله ﷿: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ «أنتهى، ونقل الاتفاق ابن رشد في بداية