قضائه ﷺ بها أنه جعلها مما يقضى به، أما دعوى أن الأمر تلطف منه ﷺ في إبطال القسامة فمستبعد، إذ كيف يعرض عليهم ما ليس بمشروع في أمر خطير كهذا؟، لاسيما وقد كان هذا بعد مرور ما يزيد على العشرين سنة على الرسالة المحمدية؟، أما امتناعهم منها فأمر يرجع إليهم، كشأن الأيمان كلها على من توجهت عليه، وكونهم امتنعوا منها لأنهم لم يشاهدوا ولم يحضروا فهذا لا يعني أن غيرهم مثلهم دائما، فقد يحصل للأولياء أو لبعضهم من الأدلة ما يعلمون به أن القتيل فلان، وقد لا يحصل، قال ابن عبد البر في الاستذكار (٨/ ١٩٩): «ليس أحد من أهل العلم يجيز لأحد أن يحلف على ما لم يعلم، أو يشهد بما لم يعلم، ولكنه يحلف على ما لم ير ولم يحضر إذا صح عنده وعلمه بما يقع العلم بمثله، فإذا صح ذلك عنده واستيقنه حلف عليه»، انتهى.
أما أن الحكم بالقسامة لا يجري على أصول الإسلام فإن الأصول لا يلغى أحدها للآخر، ولا يقاس بعضها على بعض، وإلا ردت، ومن تلك الأصول التي رأوا القسامة مخالفة لها حديث «البينة على من ادعى واليمين على من أنكر»، وقد تقدم بيان وجه مخالفة القسامة لغيرها، لكن لو افترض ترجيح الرواية التي فيها البدء بحلف المدعى عليهم لما كان فيه إسقاط للقسامة، ورحم الله ابن عبد البر فمع أنه قال عن الأخبار الواردة في القسامة:«وما أعلم في شيء من الأحكام المروية عن النبي ﷺ من الاضطراب والتضاد ما في هذه القصة، فإن الآثار فيها متضادة متدافعة، وهي قصة واحدة،،،»، انتهى، أقول مع هذا، فهو يرى كما في الاستذكار (٨/ ٢٠٩): «السنة إذا ثبتت فهي عند جماعة العلماء عبادة يدنو العامل بها من رحمة ربه، وينال المسلم بها درجة المؤمن المخلص والاعتلال لها ظن، والظن لا يغني من الحق شيئا، ألا ترى أن هذا الظن من مالك ليس بأصل عنده، ولو كان أصلا عنده لقاس عليه أشباهه ويصدق الذي يدعي قطع الطريق على من زعم أنه سلبه، وقتل وليه في طريق،،،»، انتهى المراد منه.
وقد بين مالك وجه اختلاف القسامة عن الأيمان في الحقوق فقال ﵀: «وإنما