إنما شرع غسل الجمعة لأجل صلاة الجمعة، لا ليوم الجمعة كما هو ظاهر قول النبي ﷺ:«غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم، والسواك، وأن يمس من الطيب ما يقدر عليه»، روى جملته الأولى مالك وأحمد والشيخان وبعض أصحاب السنن عن أبي سعيد الخدري، وكذلك حديث:«حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما، يغسل فيه رأسه وجسده»، رواه الشيخان عن أبي هريرة، فإن المراد من هذا خصوص يوم الجمعة، ومن الأول من كان معنيا بالجمعة، وعليه فلا يطالب بالغسل من لا يصليها، ويطالب به من يصليها ولو لم تجب عليه كالصبي والعبد والمسافر والمرأة على المذهب، ويظهر من هذا أنهم نظروا إلى العلة التي كانت وراء اشتراع هذا الغسل كما سيأتي.
وهذا الغسل سنة كما ذكر، وقد تقدم له أن قال «والغسل لها واجب»، أي واجب وجوب السنن، أو هو واجب بالسنة، ولا يجزئ قبل الفجر، وينبغي أن يكون متصلا بالرواح، أي الذهاب إلى المسجد، قال مالك في الموطإ:«من اغتسل يوم الجمعة أول نهاره وهو يريد بذلك غسل الجمعة فإن ذلك الغسل لا يجزئ عنه حتى يغتسل لرواحه، وذلك أن رسول الله ﷺ قال: «إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل»، انتهى، والحديث رواه مالك والشيخان والنسائي عن ابن عمر، أي إذا أراد أن يأتي الجمعة فليغتسل كما في رواية لمسلم، وقول مالك أحد أقوال ثلاثة في وقت الاغتسال هو أسعدها بالحديث الذي جعله مالك عمدته، وهو مع ذلك محتمل، قالوا وإنما يكون الغسل سنة إذا لم يكن بمن يريد الجمعة رائحة كريهة تمنع من حضورها وإلا وجب.
ويؤيد هذا ما قالته أم المؤمنين عائشة في أصل مشروعية الاغتسال للجمعة، قالت:«كان الناس مهنة أنفسهم، وكانوا إذا راحوا إلى الجمعة راحوا في هيئتهم، فقيل لهم: «لو اغتسلتم»، رواه البخاري، وجاء نحوه عن ابن عباس، وكون الغسل هذا معللا لا يؤخذ منه