تقدم القول في العرش عند الحديث على الكرسي، وأنه غيره، وجمع المؤلف بين هاتين الجملتين بالعطف للرد على من فسر الاستواء بالاستيلاء مستدلا بقول بعضهم:
قد استوى بشر على العراق … من غير سيف أو دم مهراق
والذي يتعين قوله أنه لا ينبغي الاستدلال بمثل هذا الشعر لإثبات صواب إطلاق الاستيلاء على الاستواء، حتى ولو صح في اللغة، إذ القرآن لا يفسر بالاعتماد عليها وحدها، بل المرجع في ذلك أولا إلى القرآن نفسه، ثم إلى السنن المرفوعة، ثم إلى أقوال من نزل فيهم، وهم الصحابة، ثم من جاء بعدهم من القرون المفضلة، فكيف إذا تعلق الأمر بصفات الله؟.
ولو فهم المؤولون قول مالك ﵀ ما وقعوا فيما وقعوا فيه من التعطيل، فقد سئل عن ذلك، فقال:«الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة»، والمشهور أن هذا القول له، وقد نسب إلى غيره، وإلى بعض أزواج النبي ﷺ، ولم يصح مرفوعا، ومعناه أن الاستواء معلوم في لغة العرب التي نزل بها القرآن، لكنه مجهول الكيفية كسائر صفات الله تعالى، ولا يصح أن يقول إنه معلوم، ثم يقول القائل إنه غير معلوم الحقيقة، فالواجب إمراره على الظاهر وعدم تكييفه، ثم ذكر أن السؤال عنه بدعة، إذ لم يؤثر عن الناس مثله، مع توفر الدواعي إلى نقله لو حصل، مع الحاجة إليه لكونه متعلقا بأعظم أمور الدين شأنا، وهو معرفة الله تعالى بصفاته، فتبين أن الناس كانوا يفهمونه على ظاهره، ولا يبحثون عن كيفيته، بل إن الكفار لم يؤثر عنهم الاعتراض على مثل هذا مع حاجتهم إليه.
قال الشيخ عبد الله بن يوسف الجديع في العقيدة السلفية: «ومن تأمل جواب الإمام مالك ﵀ لمن سأله عن كيفية الاستواء على العرش، تبينت له عدة أمور: